قراءة كتاب حول لبنان وفلسطين والحوار الإسلامي ـ المسيحي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حول لبنان وفلسطين والحوار الإسلامي ـ المسيحي

حول لبنان وفلسطين والحوار الإسلامي ـ المسيحي

كتاب " حول لبنان وفلسطين والحوار الإسلامي ـ المسيحي " ، تأليف الاب يواكيم مبارك ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

توطئة (3) سرّ الاتحاد

منذ حوالي قرنين من الزمن، شاء الدهر أن تُملي الصبية الحلبية «هندية (4) » على الأب جرمانوس دياب نص «سر الاتحاد» بجسد السيد المسيح المعذّب. واليوم لمرة أخرى يختار الدهر أفرادًا آخرين من آل دياب لترجمة أعمال مختارة من كتاب ضخم لقداسة الأب يواكيم مبارك.

ولئن كان هذا الخيار شرفًا لا يعادله شرف، تبقى المهمة عسيرة جدًّا، إذ تصعب ترجمة كتاب كُرِّس للتعريف بأعمال رجل اشتهر بنبوغه الحاد وبفكر ثاقب أخّاذ وبسعة إحاطته في أغوار العلوم الدينية والفلسفية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية؛ فالرجل سلسلة فكرية أنتروبولجية ذات أبعاد متشعّبة.

رجل دين وراهب خالد طُبع في أعماقه ببرهان آلام السيد المسيح؛ يواكيم مبارك كان رجلاً مُشغفًا بالعدالة ومحبة الله وخليقته، فأبدى بعدًا إنسانيًّا شموليًّا يُعادي، دون هوادة، كل شكل من أشكال الظلم أيًّا كانت أسبابه ومصادره وأماكنه.

هكذا، أصبح خلاص الإنسان عقيدة متجذّرة في صلب إيمانه ومنطلقًا رئيساً لكل صنيع من صنائعه. لهذا كان الأب الجليل ، يواكيم مبارك، مؤمنًا بالدور الذي يمكن أن تتخذه الكنيسة في سبيل هذه العقيدة. كان يؤمن أن على الكنيسة أن تتجاوز خلافاتها العقائدية والرعوية لاستعادة وحدتها الأصلية. وفي السياق نفسه، كان يؤمن أن هذا الزخم الكنسي المسكوني لا يمكن له أن يتمّ من دون الرجوع إلى أصول الكنيسة الأولى، باتّباع طريق الزهد والنسك الذي تبعه سيدنا يسوع المسيح. كتب يقول إن مَن يحقق الوحدة بين البشر هم أولئك الذين يجهدون في التقرب إلى الله والاتحاد به [...] إذ إنهم واحدٌ أمام الواحد الأحد وأمام الوجود الإفخارستي.

ففي رأيه، إن جوهر رسالة الكنيسة الإنطاكية هو في صلة الوصل بين الكنيسة اللاتينية (التي يرى أنها كنيسة الابن المُجسَّد، نظرًا إلى التزامه الأزلي تجاه مصير البشرية) والكنيسة البيزنطية (كنيسة الأب، نظرًا إلى جهدها الطقسي تجاه عالم الملكوت الآتي). فقال إن التاريخ فرض على الكنيسة الإنطاكية فريضة اليوم الآخر في سعيها النسكي وفريضة الدنيا في تخضُّعها.

هكذا تصبح الكنيسة الإنطاكية في رأيه كنيسة السريرة التي هي الروح القدس. وفي حضن هذه الكنيسة، تكون الكنيسة المارونية الشاهد على هذه الرسالة الإنطاكية تجاه الروح القدس. لذلك فإن الدور المسكوني للكنيسة الإنطاكية مُتوقِّف على استعداد الموارنة والأرثوذكس معًا للسير في طريق الاتحاد. ولذلك أيضًا على الكنيسة المارونية أن تستعيد هويتها الأولى التي فقدتها في المجلس اللبناني عام 1736 الذي أسفر عن انحلال الهوية واختزال التراث وفقدان الاستقلال الإداري.

كانت هذه المعركة ذات أهمية قصوى بالنسبة إليع، إذ تمثل نقطة الانطلاق ومنصة الوثب لتحرير لبنان ومن ثم تحرير الشرق العربي من نير العنف والبؤس والشقاء. فاللبننة جسّدت في الماضي طموحات المارونية، كما تُجسّد في الوقت الحاضر مصير المسيحية المقترن بمصير الإسلام في محنة العالم العربي اليوم. لا بل إنه الشرط الذي لا مندوحة منه للخروج من الانغلاق العقائدي المعروف باسم « التراث اليهودي المسيحي»، والتوصل أخيرًا لأن «ننطلق من كلمة الله، من النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتياً إلى العالم، فيؤلف سيمفونية تُؤجج فيها الروحُ القدس إيقاع كل صوت بشري، وتُناغم صوت البشرية ابتهاجاً وغبطة».

تلك هي، وبطريقة مقتضبة جدًّا، أهم نقاط كتاب جورج قرم الذي كرّسه للأب والمرجع الجليل يواكيم مبارك. لكن نظرًا لتشعّب العمل وللسياق الجيوسياسي لهذه الفترة بما في ذلك من صراع داخل الدين الإسلامي، ارتأينا أن نترجم الفصول التي تبرز أساس فكر الراهب الجليل، أي روح الانفتاح والمصالحة والتسامح في إطار احترام حقوق الإنسان الأساسية.

توماس وسلام دياب

الصفحات