أنت هنا

قراءة كتاب المجالس الشعرية في الأندلس من الفتح حتى سقوط الخلافة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المجالس الشعرية في الأندلس من الفتح حتى سقوط الخلافة

المجالس الشعرية في الأندلس من الفتح حتى سقوط الخلافة

كتاب " المجالس الشعرية في الأندلس من الفتح حتى سقوط الخلافة " ، تأليف د.آزاد محمد الباجلاني ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار غيداء
الصفحة رقم: 6

أما المجتمع الأندلسي وعبر عصوره فقد تميز بروح التسامح بين عناصره، فعاش المسلم إلى جانب النصراني وإلى جانب اليهودي، ولم تذكر المصادر إلا بعض الخلافات والحوادث، لكن الجو العام الذي غطى سماء الأندلس وأسهم في تقدمها الحضاري هو التمازج بين جميع أطياف المجتمع الأندلسي([5]).

وتمتعت المرأة في المجتمع الأندلسي بحرية أوسع من غيرها من المجتمعات الأخرى، فكانت تتعلم الأدب وتتفقه في الدين، وهذا ما أظهر قابلياتها في نواحٍ عدة من الحياة الثقافية. ولعل كثرة عدد الشاعرات الأندلسيات يعطي صورة عن المرأة في المجتمع الأندلسي([6]).

هذا في موضوع تقدُّمها السياسي والعمراني والاجتماعي، أما في موضوع تقدمها الثقافي فقد تأثر بكل ما ذكر سابقاً، فالاستقرار السياسي سبب رئيس في إنشاء أركان الثقافة، وما عرف عن الأمراء والخلفاء الذين حكموا الأندلس من حبهم للأدب ومشاركتهم فيه([7])، ((فلو زعم أحد أنه لم يقم أحد من أمراء الأندلس وخلفائها إلى آخر القرن الخامس إلا وهو جامع أسباب الأدب لكان حقيقاً في زعمه بالتصديق، ولولا أدبهم لما نفق الأدب عندهم ولا بلغ مبلغه ذلك))([8]). فهذا عبد الرحمن الناصر يستقبل أبا علي القالي (ت356هـ) استقبال الملوك([9]). وغيره من الأمراء والخلفاء من كان ينشئ المكتبات العامة والخاصة، إذ كان لهم دور فعال في تنمية الثقافة والتشجيع عليها. ومن أهم الأمور اقتناء الكتب وبخاصة المشرقية منها وإضافتها إلى المكتبات([10])، فقد عرف عن الحكم المستنصر (ت 366هـ) أنه ((كان محباً للعلوم مكرماً لأهلها جمّاعاً للكتب في أنواعها بما لم يجمعه أحد من الملوك قبله))([11]). وذُكر أن عدد الفهارس في مكتبته التي فيها تسمية الكتب فقط أربع وأربعون فهرسة، ((وقلما تجد له كتاباً كان في خزانته إلا وله فيه قراءة ونظر من أي فن كان من فنون العلم))([12]).

وهذا الاستقرار وتشجيع الحكام وتقديرهم لحاملي الثقافة، أوجد جواً علمياً ثقافياً، كان سبباً في بروز الروح القومية الأندلسية، وكثرة التأليف في مجالات الحضارة فظهرت كتب الأندلسيين تحمل تاريخهم وثقافتهم وسير رجالهم وحكامهم وما تميزت به الأندلس من علوم وفنون([13]).

ويذكر الدكتور أحمد هيكل مظاهر الحياة الثقافية في عصر الخلافة، بالمشاركة في أكثر فروع المعرفة، وشيوع الحرية الفكرية، وتشجيع العلماء، والإقبال على دراسة العلوم الفلسفية، والترجمة، وبروز الروح القومية الأندلسية([14]).

أما أثر كل ما تقدم في بروز ظاهرة المجالس في الأندلس فواضحة للعيان، إذ إن هذه المجالس لم تكن لتعقد لولا الاستقرار السياسي، واهتمام الحكام بالشعر والثقافة لأي سبب كان. وما كان منتشراً في الأندلس من بذخ وترف في الحياة ولا سيما في طبيعتها المميزة سبّب في نشوء المجالس بين أحضان هذه الطبيعة، وكان لعقد المجالس الغنائية والموسيقية الأثر البالغ في نمو ظاهرة المجالس الشعرية؛ فقد كان الشعراء يعنون عناية بالغة في حضور هذه المجالس. وقد أضاف المغني زرياب (ت 238هـ) إليها جواً آخر بما أضاف من مراسيم وملابس خاصة بالمغنين والموسيقيين([15]).

وكانت المجالس في الأندلس أثراً من آثار البيئة الأندلسية الناعمة؛ إذ تعد البيئة الأندلسية من أهم العوامل التي أثرت في الشعر، فعملت على إكثاره وترقيقه وتجويده([16])، وهو يدل بوضوح على رقي حياتهم وبيئتهم الاجتماعية، ففي هذه المجالس كانت شاعريتهم تتحدث عما يدور فيها([17]).

وكان بعض الحكام سبباً مباشراً في بروز هذه الظاهرة، فقد كان للحاجب المنصور ابن أبي عامر ((مجلس معروف في الأسبوع يجتمع فيه أهل العلوم للكلام فيها بحضرته ما كان مقيماً بقرطبة))([18]). وقبله كان عبد الرحمن الأوسط (ت 238هـ) له مجالس للغناء يحضرها زرياب مع جواريه([19]).

وقد أثرت هذه المجالس في الناحيتين الثقافية والحضارية في الأندلس؛ إذ كانت مسرحاً لقول الشعر والغناء والموسيقى، وهذه تدخل في صميم الحياة اليومية للمجتمع الأندلسي بمختلف طبقاته، ففي الطبقة الحاكمة نجد للمجالس أنواعاً مختلفة، فهذا مجلس شراب وهذا مجلس غناء، أو مجلس تهنئة … إلخ. وفي هذه المجالس كلها نجد للشعر مكان الصدارة في إعطائها الرونق الذي يجمّلها ويبعث الروح في أوصالها.

نستطيع أن نقول: إن المجالس كانت وسيلة مهمة من وسائل الترفيه والتسلية من ناحية، واهتمام بعض الحكام بالأدب والشعر بشكل عام من ناحية أخرى؛ لهذا نجد التشجيع والمشاركة من قِبَلِهم فيما يجري داخل أركان المجلس([20]).

وهناك نوع من التنظيم لندماء هذه المجالس وروادها، ولا سيما في مجالس المنصور ابن أبي عامر، إذ تسجَّل أسماؤهم في سجلات خاصة بهم كلٌّ حسب قدرته ومنزلته وترتيبه داخل المجلس، وقد أوكل المنصور بن أبي عامر مهمة هذا الديوان إلى ناقد وأديب هو عبد الله بن محمد بن مسلمة([21])، وكان على يديه تخرج صِلاتهم وترتيبهم في المجلس.

ويمكن القول: إن ((مجالس الأدب في الأندلس من أكبر مسارح الأفكار وأفخم مظاهر الجمال وأجمع أنواع الأدب واللهو، والجد والهزل، ومظهر الحياة العقلية والاجتماعية، والشعراء فرسان هذا الميدان، والكلام وحده آلة التعبير عن ذلك بأساليبه المختلفة البليغة. وكان الشعر نشوة الشارب وغناء الراقص ومؤدب النفوس وزاجرها … والشعراء كثيراً ما تحملهم هذه المجتمعات وما فيها على الارتجال والابتكار))([22]).

الصفحات