أنت هنا

قراءة كتاب المجالس الشعرية في الأندلس من الفتح حتى سقوط الخلافة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المجالس الشعرية في الأندلس من الفتح حتى سقوط الخلافة

المجالس الشعرية في الأندلس من الفتح حتى سقوط الخلافة

كتاب " المجالس الشعرية في الأندلس من الفتح حتى سقوط الخلافة " ، تأليف د.آزاد محمد الباجلاني ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار غيداء
الصفحة رقم: 8

ثانياً: المجالس غير الرسمية:

لم يقتصر الأمر في المجالس على الطابع الرسمي الذي كان يغمره الإعداد والتخطيط من أجل انتقاء شعراء الدولة والكشف عن مواهبهم وقدراتهم، وإنما تجاوز ذلك إلى مجالس اللهو والطرب والأُنس التي كان يعقدها الحكام في قصورهم، ولا سيما حينما يفرغ من مشاغل الدولة والحكم، ويميل إلى الدعة والفراغ والأنس.

ولعل نظرة شاملة في كتب الأدب والتراجم الأندلسية تعطينا صورة واضحة عن مبلغ اهتمام المجتمع الأندلسي بمثل هذه المجالس التي عملت على ازدهارها وشيوعها عوامل متعددة، منها: الحالة الاقتصادية وما كانت تنعم به قرطبة خاصة، والحريات التي تمتع بها الأندلسيون عامة، والطبقة الحاكمة خاصة([25]).

ويمكن أن يضاف إلى هذه العوامل عامل آخر، ربما كان ـ فيما يبدو ـ من أقوى العوامل التي أسهمت في شيوع هذه المجالس، ويتمثل في حب صاحب المجلس نفسهِ حياةَ اللهو والأنس، كالمنصور بن أبي عامر الذي كان في حياته الخاصة متحرراً يحب الشراب والرقص واللهو([26]).

وقد تميز شعر هذه المجالس بغلبة الارتجال عليه؛ لأنه كان يأتي للشعراء عفو الخاطر ووليد الساعة، وكثرة المقطوعات، واستخدام الألفاظ التي تروق لحاسة أو أكثر من الحواس([27]).

إن هذه المجالس لم تكن تعقد لغايات اللهو والشرب والأنس فحسب، وإنما كانت إلى جانب ذلك عاملاً من أبرز العوامل التي أسهمت في تنشيط الحركة الشعرية، ففي هذه المجالس كانت القرائح تتفتق لقول أجمل الأشعار، وأعطت لها أبواباً واسعة
للتخيل([28])، يقول بالنثيا: ((ولم تكن مجالسهم مجرد اجتماعات للشرب، وإنما اجتماعات أدبية شعرية كذلك، وكان المجلس ينقضي بين تقارض الشعر وارتجاله))([29]).

ومهما يكن من أمر هذه المجالس، فقد كشفت لنا عن حياة الطبقة الحاكمة في الأندلس، وعن حال المجتمع الأندلسي عامة؛ إذ كانت صورة صادقة عن حياتهم الخاصة، وميلهم إلى اللهو والترف حين يتاح لهم ذلك.

أما أثر هذه المجالس ـ بنوعيها ـ في الشعر، فإنها تركت آثاراً إيجابية متعددة أسهمت بطريق مباشر أو غير مباشر في تنشيط الحركة الأدبية والفكرية من ناحية، والشعرية من ناحية أخرى. فقد نجمت عن هذه المجالس روح المنافسة بين أعضائها؛ مما دفعهم إلى إبراز طاقاتهم الشعرية، مما أضفى المتعة الأدبية لهذه المجالس([30]).

وكانت تمد الشعراء بموضوعات جديدة، إذ تغنوا بوصفها وتصويرها، وما يدور فيها من أمور([31]). وقد أسهم موقف النقاد والمتنافسين في هذه المجالس في تنشيط الحركة الشعرية؛ إذ كان هؤلاء يجعلون الشاعر في هم وحذر؛ لكي يصقل موهبته ويعمل على تنميتها، فيقدم أجود أشعاره.

وقد شاعت في بعض أشعارهم ظاهرة المجون، فالشعراء أصبحوا يتغنون صراحة بمجونهم ومغامراتهم المكشوفة مع النساء، وقد ساعدهم على ذلك الحريات العامة التي تمتع بها الأندلسي آنذاك([32]).

وأخيراً، إن هذه المجالس وما كانت تتضمنه من أمور وأشعار صدرت عن صفوة رجال الأدب والشعر، وما كان يثار فيها من ألوان النشاط الأدبي والفكري، فقد أنتجت شعراً وأدباً وحكايات كان صاحب المجلس ينعم بها، ويقطف ثمارها، إذ غالباً ما كانت في مدحه والثناء عليه([33]).

الصفحات