وهناك بحوث متعددة تناول ضيف، نون الشعرية بالدراسة والتحليل ومن ضمنها فن الرثاء، وقد اتسمت طبيعة منهج قسم كبير من هذه الدراسات بالعموم لا سيما في الأدب الأندلسي. أما دراسة الدكتور شوقي ضيف، فهي دراسة تناولت الرثاء ضمن سلسلة فنون الشعر العربي وقد اتسمت بالاختصار، لأنه تناول هذا الفن عبر العصور الأدبية المختلفة حتى عصرنا الحالي.وكتب الدكتور محمود أبو ناجي في هذا الفن في كتابه (الرثاء في الشعر العربي) وقد حاول الإحاطة بكل العصور الأدبية وهذا ما يصعب على الباحث. وتلته مؤلفات أخرى؛ كبحث الدكتورة بشرى الخطيب، الموسوم ب (الرثاء في الشعر الجاهلي وصدر الإسلام) ورسالة الباحث مظفر عبد الستار غانم (الرثاء في شعر العصر العباسي الأول) – وقد كانت استفدت من هذين البحثين، فجزى الله صاحبيهما خير الجزاء على جهديهما القيمين.وهناك بحوث أخرى تناولت الرثاء بصورة مستقلة أو ضمن بحوث ووبابين.ومن هذه الدراسات، تاريخ الأدب الأندلسي عصر الطوائف والمرابطين، والأدب العربي في الأندلس، وملامح الشعر الأندلسي، والبيئة الأندلسية وأثرها في الشعر: عصر ملوك الطوائف، ولكنها اختصت بجوانب معينة دون الإحاطة بكل جزيئات قصائد الرثاء.

 

وقد اقتضت طبيعة المادة التي تجمعت لدي أن تقسم إلى تمهيد وبابين.أما التمهيد فقد وقفت عند اشتقاق كلمة الرثاء والكلو القضاة، دفة لها كالندب والتأبين والتعزية والنعي، ثم تناولت شعر الرثاء الأندلسي قبل عصر الطوائف وأهم الشعراء وقصائدهم أما الباب الأول فقد تناولت موضوعات الرثاء، فدرست في الفصل الأول رثاء النفس الذي ازداد في هذا العصر لقساوة الظروف السياسية ورثاء الأهل والأقارب، ثم رثاء الأصدقاء من العلماء والشعراء والكتاب. ثم وقفت عند رثاء رجال الدولة من الأمراء والوزراء والقضاة، وخصصت الفصل الثاني لدراسة رثاء الدول والمدن والديار والآثار وسبب ظهورها.

 

فعرضـت لأهم القصائد التي قبلت في رثاء الدول الساقطة في هذا العصر وتعرضت إلى ما أختلف عن رثاء المشارقة لمدنهم. فتطرفت إلى رثاء الممالك الزائلة بسبب ما شهدته والخيال.سياسية من اضطراب ؛مما أدى إلى سقوط دولة بني عباد وبني الأفطس، ثم عرضت لأهم الدول الساقطة في هذا العصر وما قيل فيهما من مراثٍ، وألحقت بهذا الفصل ما يعرف برثاء الديار والآثار وهي المدن التي خربت في أعقاب الفتنة دون تدخل خارجي.وجاء الباب الثاني للدراسة الفنية في فصلين: ففي الفصل الأول درست قصيدة الرثاء من حيث اللغة والأسلوب وأهم السمات العامة لقصائد الرثاء ونظرة الشاعر الأندلسي إلى التراث المشرقي من خلال شيوع قيم إسلامية كآيات الذكر الحكيم وأحاديث الرسول r والشعر العربي والأمثال العربية. وأختتم هذا الفصل بمبحث العاطفة والأفكار والصور والخيال.أما الفصل الثاني فتعرضت إلى المحسنات البلاغية التي ترد في معظم قصائد الرثاء. ثم جاء الأوزان والقوافي، إذ درست فيه الأوزان الشعرية التي نظمت عليها قصائد الرثاء، وما أستعمل من قوافٍ، وحاولت أدراج بحور القصائد الواردة في ثنايا هذه الرسالة.وأختتم الكتاب بالحديث عن أهم النتائج التي توصلت إليها أثناء دراستي بعد أن تركت نتائج أخرى مبثوثة خلال فصول الكتاب مما يلحظها القارئ ثم أدرجت قائمة بالمصادر والمراجع، بعد موجز عن البحث باللغة الإنكليزية. هذا الجهد المتواضع أضعه بين أيديكم فأن أخفقت فلأنه محاولة أولى فأطلب الصفح عن هفواتي وأني لفي انتظار توجيهاتكم الكريمة.أرجو أن أكون قد وفقت لما كنت أطمح أليه بالوصول إلى ما فيه التوفيق والسداد، مع هذا لا أبرئ نفسي من الزلل ولا أدعي العصمة من الخطأ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم.