أنت هنا

قراءة كتاب الدماغ البشري

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الدماغ البشري

الدماغ البشري

كتاب " الدماغ البشري " ، تأليف سامي أحمد الموصلي ، والذي صدر عن دار دجلة

تقييمك:
1
Average: 1 (1 vote)
الصفحة رقم: 3

وحينما تعمق البحث في الجهاز العصبي للإنسان وكيفية عمله وتحقيق اتصالاته بين الدماغ والأطراف الحركية من أعضاء خارجية ، توصل العلماء إلى وجود الكهربائية كطاقة ناقلة وحاملة للرسائل من الدماغ إلى العضو وبالعكس ، والكهربائية نشاط لا يمكن القول انه مادة لأنه حتى الآن تعددت نظريات تفسير الذبذبات الكهربائية بين كونها فوتونات –جسيمات –أو كونها موجات ، فالفوتونات يمكن إطلاق كلمة مادة عليها مع بعض الإضافات الوصفية الخاصة ، في حين أن الموجات ليست إلا معطيات شكلية عقلية هندسية غير مادية .

وبغض النظر عن المعطيات النهائية لازدواجية التفسير للضوء مثلا وللطاقة الكهربائية الحاملة ، فقد تبين أن الدماغ يقوم بنشاطه العصبي كاتصالات خارجية للأعضاء أو داخلية حشوية عن طريق هذه الكهرباء الحيوية ، بل تطور الأمر إلى البحث عن موجات كهربائية في كل عمل الدماغ الفكري والعقلي والانفعالي ...الخ دعيت موجات ألفا وبيتا ودلتا وثيتا، لقد تبين إذن أن الدماغ كمادة يستخدم مواصلاته لإبلاغ أجزاء الجسم كلها عبر هذه الكهربائية التي يمكن تصويرها والإحساس بها وحساب فولتيتها وأطوال موجاتها .

وحينما درس نشاط الدماغ على ضوء هذه الكهربائية، تحددت كثير من الآليات والميكانزمات للدماغ حتى بدا فرع علمي يتحدث عن الفسيولوجية الكهربائية للدماغ حيث يستخدم الطاقة الكهربائية لتحديد مراكز الانفعالات والأفكار والذاكرة وأي نشاط عقلي يقوم به الدماغ ، بل حتى الأمراض العقلية والنفسية والعصبية أخذت تدرس على ضوء هذه الكهربائية بعد أن تم تصوير الدماغ كهربائيا والتحدث بالالكترودات إلى مراكزه العصبية ومن ثم تم إجراء جراحات عصبية على الدائرات الكهربائية في الدماغ ودرس الجنون كاضطراب كهربائي في الدماغ ومن ثم تم علاج الكثير من هذه الأمراض عن طريق الصدمة الكهربائية والجراحة لقطع أو إيصال الاتصالات بين مركز دماغي وآخر بل حتى تقييم الشخصية نفسيا وتشخيص أمراضها أصبح عن طريق هذه الذبذبات التي حتى اليوم ليس هناك نظرية نهائية فيزيائية تعرفها حقيقة .

ولاشك أن معرفة طريقة عمل الدماغ ومنهجيته وميكانزماته قاد إلى محاولة صنع مشابه له الكترونيا وتقنيا ، فطريقة عمل الدماغ هي طريقة توصف بأنها تقوم على نظام التحكم الأوتوماتيكي –السيبرناطيقا-، وطاقة هذه الطريقة تتواصل عبر الكهرباء في الدماغ ، وهكذا أمكن بناء العقول الالكترونية والكمبيوتر كمشابه ومقلد لعمل الدماغ ، ولما كانت الكهربائية في المادة اللاعضوية يمكن تحقيق تسارع كبير فيها فقد وجدنا كمبيوترات أو عقول الكترونية تسابق الدماغ في عملها فتسبقه بآلاف المرات ضمن سياقات حسابية معينة .

على أن الدماغ الحي في الإنسان بقي متغلبا على كل العقول الالكترونية في كون أن كل هذه العقول لا تستطيع أن تكتب قصيدة واحدة من الشعر الذي يقدمه الدماغ الإنساني الحي ولا تستطيع إنتاج قطعة موسيقية مهما كانت ساذجة، فالإبداع خاصية إنسانية فريدة في الإنسان، ومع أن العقول الالكترونية قد تستطيع خزن كل معلومات العالم في قرص من صناعة النانوتكنولوجي الذي قد يستوعب أكثر من مليون قرص من الذي نتعامل معه اليوم، إلا أن اصغر خلية في الجسم الحي إذا صح التعبير، تخزن من الشريط الوراثي ما لا يستوعبه مثل هذا القرص خاصة حينما نضيف له قدرة استرجاع استذكارية حيوية خارقة في الدماغ الحي ، ومع هذا فقد طرحت فكرة تعشيق أو دمج بين قدرات الكمبيوتر والدماغ الحي فتم الحديث عن ربط ذاكرات الكترونية مع ذاكرة الدماغ الحي وربط أجهزة الكترونية لصيانة الجسم البشري والتعويض عن أية وظيفة داخلية أو خارجية فيه ،بل طرح حتى فكرة ترقيع الدماغ الحي بآليات الكترونية مبرمجة تساعد في القضاء على مرض أو تقوم بعمل الكتروني مشابه للعمل المعطل حيويا في جسم الإنسان ، فما دامت الطاقة الكهربائية هي أداة توحيد بينهما وما دام الجهاز الالكتروني مبني سيبرناطيقيا على ضوء نظام التحكم الأوتوماتيكي للعضو الخاص، فإن من الممكن الوصول إلى طموح كبير ببناء جسم من آلات والكترونيات يوضع فوقه دماغ حي ليصبح الإنسان نصفه حي -الدماغ- ونصفه آلة بقدرات كبيرة ، وبذلك يتم الجمع بين قدرات إبداعية للدماغ الحي التي لا يمكن تقليدها لأنها أساسا لا مادية وبين طاقة ميكانيكية والكترونية لجسم مصنوع من مادة غير عضوية ، هذا الطموح أنجز كأفكار سينمائية ومسلسلات للخيال العلمي إلا أن العمل لازال مستمرا على نفس المنوال والمنهج في الواقع والأيام حبالى بكل عجيب وغريب .

إن معرفة أسرار الدماغ وعجائبه قاد إلى أن يستطيع المشلول المشي والحركة عبر توصيلات عصبية كهربائية للعضو المشلول بإيعازات مراكز الدماغ المسؤولة عن الحركة المحددة ، ولكن هذه لم تكن النتيجة الوحيدة بل إن عكس هذه الآلية أتى بنتائج اكبر وهي القدرة على التحكم بالكمبيوتر من خلال طاقة الدماغ الكهربائية – العصبية دون حتى الحاجة إلى توصيلات سلكية .

فإذا كانت طاقة الدماغ للتحريك تنشأ في المخ كهربائيا ، فيمكن تضخيمها خارجيا حتى تستطيع تحريك الأشياء بمجرد التفكير بها والعزم على إجرائها ، وهذا ما أكده فريق من الباحثين الأمريكيين الذين قطعوا شوطا في هذا الاستخدام للتحكم بالأجهزة المختلفة .

لقد تمكن أربعة أشخاص بمن فيهم قعيدان يستخدمان الكرسي المتحرك من تحريك مؤشر فأرة الكمبيوتر التي يعمل بها الجهاز باستخدام غطاء للرأس مثبت به نحو 64 قطبا كهربائيا وقال العالمان جوناثان وولبو ودنيس ما كفارين - لقد أظهرت نتائج الدراسة أنه يمكن تعليم الأشخاص استخدام الإشارات الكهربائية للدماغ من خلال تسجيلها لتحريك مؤشر الفأرة في اتجاهين بشكل سريع ودقيق -، لقد ارتدى الأشخاص الأربعة الذين خضعوا للتجربة غطاء رأس الكتروني وجلسوا أمام شاشات عرض كبيرة ولم تزرع في رؤوسهم أية أجهزة بل اكتفى الباحثون بالقبعة الالكترونية.

لقد بنيت هذه التجربة على أن نشاط خلايا المخ تنتج إشارات كهربائية يمكن استخدامها بواسطة الأقطاب الالكترونية لتترجم بعد ذلك إلى أوامر للتحكم في الجهاز ، ولا يحتاج مثل هذا النشاط الدماغي لاستخدام عصب أو عضلة معينة لذا فإن الأشخاص المصابين بالجلطات أو الذين يعانون من مشاكل في العمود الفقري يمكنهم استخدام غطاء الرأس الالكتروني بكفاءة .

وليست هذه المرة الأولى التي ينجح فيها الباحثون في مثل هذه التجارب ، فقد استخدم بعض العلماء حركة العين فيما لجأ آخرون لطرق أخرى لتسجيل إشارات المخ الكهربائية للتحكم في الأجهزة ، بل إن فريقا من معهد أم أي تي الأوربي قد صمم غطاء رأس لاسلكي يمكنه ترجمة الإشارات الدماغية للتحكم في إحدى ألعاب الكمبيوتر .

أليس هذا من عجائب الدماغ التي لم تخطر على ذهن فيلسوف أو مفكر قضى عمره وهو يدرس العقل اللا مادي كيف ينتج عن الدماغ المادي ؟ .

وإذا كانت هذه المفردات على المستوى الحركي فقط لكن مفردات الدماغ تتجاوز هذه إلى درجة القول انه يمكن زيادة معدلات الذكاء الإنساني بربطه بالذكاء الصناعي ، حتى أن بعض العلماء أخذ يحذر من تفوق الذكاء الصناعي على ذكاء البشر فيما لو تمت عملية الربط بينهما ، ففي مؤتمر لمعهد الفرادة للذكاء الصناعي حذر العلماء في سان فرانسيسكو من آلات فائقة السرعة قابلة للتفوق على ذكاء البشر خلال فترة قصيرة وقد يتبعها تطوير معالجات الكترونية بسرعة الكمبيوتر لتزرع داخل الأدمغة البشرية لتحفيزها على معالجات حديثة ، وهاهم العلماء ينذرون العالم –إن المستقبل قد ينذر بوصول البشرية إلى منعطف جديد في تاريخها القادرة على إجراء برمجة ذاتية –ويعتقد أن زمن تحقق ذلك سيكون بحلول عام 2029.

لقد كانت ولازالت دراسة الدماغ البشري من أهم الدراسات العلمية والفكرية في تاريخ الإنسان ، وقد وصلت اليوم إلى درجة متقدمة جدا فألعاب الفيديو في اليابان تعرض دمى وألعابا لتنشيط الدماغ عند كبار السن ، ألعاب الكترونية تتخطى العمر ويمكن لكبار السن هناك تلقي دورة تدريب الدماغ، وتنتشر في المكتبات كتب عن الدماغ مصحوبة بأجهزة الروبوت تباع بادعاء أن التربيت على هذا الروبوت يمكن أن يقضي على العجز، وتقدم البلديات برامج لتنشيط العقل لكبار السن في إطار جهد لخفض أخطار الزهايمر .

على أن من أحدث التقنيات في أمريكا اليوم، هي تقنية مسح الدماغ التي ستدخل الانتخابات الأمريكية قريبا ، حيث يعكف العلماء في سانت دياغو- كما تقول السي إن إن- باستخدام نفس تقنية مسح الدماغ المتبعة لفهم المزيد عن مرض الزهايمر والتوحد على اكتشاف الفوارق والاختلافات بين الجمهوريين والديمقراطيين ، ويحاول بعض العلماء خلال موسم الانتخابات الأمريكية توظيف تقنية الدماغ هذه لمساعدة الساسة في سبر أغوار الناخب بصورة أكثر فعالية من الوسائل المتبعة حاليا من عمليات مسح واستطلاع ، ويتنبأ العلماء أن تصبح هذه التقنية إحدى أدوات الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة خلال الأربعة أعوام المقبلة بالرغم من بعض التحفظات الأخلاقية على ما أطلق عليه –الترويج العصبي-، وتعتمد هذه التقنية على قياس تدفق الدم ، فعندما تبدأ خلايا المخ في إطلاق إشارات في جزء من المخ الذي يتحكم في الانفعالات تحتاج تلك الخلايا إلى المزيد من الأوكسجين الذي ينقله الدم، عندها يلتقط الجهاز مناطق المخ النشطة في شكل ومضات على شاشة المراقبة .

الصفحات