كتاب " الدماغ البشري " ، تأليف سامي أحمد الموصلي ، والذي صدر عن دار دجلة
أنت هنا
قراءة كتاب الدماغ البشري
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
يقول بعض من بحثوا وطرحوا تفسيراتهم ( إن المائة بليون خلية عصبية التي يحتويها الدماغ الإنساني تمثل منظومة بايوكيميائية تتكون من عدد هائل من التراكيب الثانوية التي تجري بينها تفاعلات كيميائية معقدة جدا ، وتشكل بايوكيميائية الدماغ أساس عمله كجهاز بايوالكتروني غاية في التعقيد يتكون من عدد هائل من المنظومات البايوالكترونية الثانوية ، وبسبب من هذه الخواص البايوالكترونية فان الدماغ يستطيع أن يقوم بوظائف شبيهة بتلك التي تقوم بها الأجهزة والمنظومات الالكترونية الصناعية كالعقول الالكترونية ، إلا انه يختلف عن هذه الأخيرة بكون دوائره ومكوناته الالكترونية تتكون من مادة حية تتفاعل فيما بينها الكترو-كيميائيا ، وبالتالي فإن دوائره ومكوناته البايوالكترونية تتجاوز في تعقيدها إلى حد كبير تعقيد الأجهزة الالكترونية العادية )[22] .
أما كيف يفسرون ذلك بالدماغ الذي بلغ درجة التطور والتخصص العالية بحيث ولد منظومات بايوالكترونية بامكانها التفاعل مع الطاقات الفائقة وكيف تصبح هذه الطاقات الفائقة تحت سيطرة الدماغ فيقولون بأن معظم الظواهر الخارقة للعادة التي تشابه في ظاهرها فعاليات أو استخدامات معروفة للطاقة الكهرومغناطيسية كتوارد الأفكار والتحريك الخارق للمألوف غدت غالبا نتيجة سيطرة الدماغ على طاقات فائقة وبالتالي قيام هذه الطاقات بإطاعة أوامر الدماغ ، فظاهرة توارد الأفكار على سبيل المثال تشبه عملية نقل المعلومات لاسلكيا بواسطة الأمواج الراديوية ، وظاهرة التحريك الخارق للمألوف تماثل تقنية التحكم عن بعد التكنولوجية الحديثة التي شاع استعمالها في الكثير من الأجهزة الكهربائية والالكترونية .
وهكذا نجدهم حينما يتعاملون مع الدماغ بغير المفهوم الطبي التشريحي المعروف والمتكون من خلايا عصبية يقولون ( إن تفسير الفعاليات الإنسانية الخارقة للعادة كعلاقة بارامانية بين منظومات دماغية بايوالكترونية فائقة وطاقة فائقة غير بشرية يعطي صورة عن الدماغ تختلف بشكل جوهري عن صورة هذا العضو وفقا للمذهب العصبي ..الذي يقوم عليه وعليه وحده علم فسلجة الأعصاب .. حاليا، إذ ينص المذهب العصبي على أن كافة عمليات الدماغ هي نتيجة نبضات عصبية وما يصاحبها من فعاليات وبالتالي فان هذا المذهب يقوم على أساس من الافتراض القائل بان كل ما يدخل الدماغ إنما يصله عن طريق الحواس الاعتيادية ، إن هذه الفرضية –وكما هو واضح- على خلاف تام مع تفسير الفعاليات الخارقة للعادة كتفاعل بين منظومات دماغية بايوالكترونية فائقة وطاقة فائقة غير بشرية حيث ينص هذا التفسير بشكل واضح على أن الحواس ليست البوابة الوحيدة لما يدخل إلى الدماغ )[23].
من كل ما تقدم نجد أن المقاربة بين العقل والدماغ والفكر والمخ بقيت على حالها سواء على المستوى الفلسفي أو العلمي والسيكولوجي والباراسيكولوجي, والفيزياوي الكيماوي المادي واللامادي ، وبقي التساؤل هل أن الدماغ يحتوي العقل أم أن العقل يستخدم الدماغ ليقول كلمته من خلاله ومن خلال اللغة والكلام المادي ؟ .
إن بعض المفكرين ربط بين العقل والروح وبعضهم ربط بين الروح واللاشعور وتتعدد التسميات والنسب كل ذلك بسبب ثنائية فكرية فلسفية طغت على الفكر البشري فتحولت إلى مادية ولا مادية العقل مقابل التسليم بمادية الدماغ والتركيب الخلوي له ، ولا يمكن البحث بالدماغ وطاقاته دون التعرض لهذه المقاربة لأخذ فكرة واضحة عن التشابه والاختلاف بين مادية الدماغ ولا مادية العقل ، بين الخلايا العصبية والنشاط البايوالكتروني الذي توصف به فإلى أين قاد هذا البحث علماء اليوم خاصة بعد التقدم الكبير في طبيعة فهم المادة ذاتها وتحولاتها إلى طاقة بضوء فيزياء الجسيمات الدقيقة ومعطياتها الغريبة؟ .
إن مسألة ثنائية المادة والعقل أو الدماغ والفكر وبضوء طاقات العقل غير المنظورة والتي تحدث آثارها ماديا جعلت العلماء النفسيين والباراسيكولوجيين يستعينون بمعطيات علم المادة بضوء مفردات الفيزياء النووية وما توصلت إليه بخصوص الطاقة والمادة ،فإذا سلمنا بان العقل هو طاقة والدماغ هو مادة فإن نظرية النسبية قد أكدت اخطر حقيقة في هذا المجال ألا وهو تحول المادة إلى طاقة عبر القانون الأساسي الذي عبرت عنه بالمعادلة التي تقول :الطاقة تساوي الكتلة في مربع سرعة الضوء ، وبذلك أمكن القول بتحول المادة إلى طاقة ، هذا الحل الذي وجده علماء النفس والفسيولوجيون المعاصرين يمكن عن طريقه حل ثنائية الدماغ والعقل أو المخ والفكر ،وإذا ما تعمقنا أكثر في النظريات الفيزياوية المعاصرة سنجد أن نظرية الكم يمكنها المساهمة في حل هذا الإشكال في هذه الثنائية حينما تقول بان هناك عملية تتام بين المادة والعقل فهما مظهران لحقيقة واحدة فكيف عبر العلماء عن كل هذا في إطار تفسير الطاقة بالمادة والمادة بالطاقة ورفع الثنائية إلى تفسير أحادي؟ .
إن النقطة التي يجب الانطلاق منها لتفسير واقع الطاقة والمادة أو العقل والدماغ تستند إلى بديهية معروفة تقول بان كل ما يوجد على مستوى الفيزياء الدقيقة بالتأكيد هو موجود في الأنظمة البيولوجية والفكر أو العقل يمثل تشابهات غريبة مع ميكانيكا الكم ، فلقد أصبحت الكيمياء فرعا من فروع الفيزياء فهي التي تسعى إلى تشكيل بنية جزيئية انطلاقا من الذرة ونواتها بحيث أنها حينما تتجمع تشكل مواد غير عضوية بمقدار ما تشكل مواد عضوية .
إن معطيات الفيزياء النووية تقول أن الالكترونات سالبة الشحنة حينما تصطدم مع البوزترون الذي هو الكترونات موجبة الشحنة فانهما يتحولان إلى طاقة وهو ما يسمى التجريد المادي للطاقة ، كما أن الفوتونات كطاقة يمكن أن تعود فتتحول إلى الكترونات سالبة وموجبة أي بوزترون وهذا يطلق عليه –تجسيم المادة –فالمادة ، الالكترونات تتحول إلى طاقة فوتون، والفوتون كطاقة يتحول إلى مادة الكترونات، وهذه العملية معروفة حادثة سواء بالمختبر أو في الفضاء وقد يعبر عنها باصطدام المادة بضديد المادة أيضا؟
وهنا يتساءل العلماء عن إمكانية القول بان هناك تبادل مادي-طاقوي بين الدماغ والعقل وان الدماغ يرسل علبة من الموجات مشابهة لتلك الني يرسلها الميكانيك الموجي -تلك الموجات- الجسيمات .
لقد اقترح عملاق الفيزياء الكمية فارنر هايزنبرغ وجود شيء فوق مادي قادر على الوجود ذاتيا وان يتحول إلى مثل هذه أو تلك الجسيمة الأولية ، وهذا ما يطرحه بعض العلماء في قوله (عندما يفكر الدماغ إذن من يستطيع أن يقول متى يفكر ؟ فهو يقوم بتحرير –قوى- نفسانية ، ويقصد بذلك طبعا الفكر المبدع الذي يحمل معلومات جديدة ويروم عملا مبدعا جديدا ، ويمكن أن يقصد بالأمر أيضا أفكارا تتعلق بالحب ، هذه الروابط الخارقة التي يمكن أن تربط كل البشر ، من ينكر وجود موجة –جسيم تحمله رسالة على مستوى النفس والفكر المتحرر التي بإمكانها في بعض الحالات أن تكون متحررة من أي اندماج تماما مثل الموجة –الجسيم بالليزر والتي تستطيع الانتشار في كل الاتجاهات وتؤثر بالكون بأكمله )[24] .
إن ما توصل إليه هؤلاء العلماء وهم يبحثون بالظواهر الباراسيكولوجية الخارقة التي لم تستطع أن تفسرها معطيات الفيزياء الكلاسيكية حول الطاقة –وبعد أن أكدوا على أن العقل هو جهاز الأجهزة ولم يزل حاليا مجهولا تماما – توصلوا إلى القول (فدراسة الظواهر الباراسيكولوجية تتيح لنا أن نقول أن الموجة-الجسيم الخاصة بالفكر هي شيء لامادي ، وكيان من غير كتلة ، ودون حقل ،أو شحنة ويمكنها من تجاوز سرعة الضوء ، إذن بإمكانها إدراك الماضي أو التنبؤ بالمستقبل ، هذه الفرضية أيضا قريبة من تلك الفرضية التي أطلقها -بولي-عندما ابتدع فكرة النيترينو: جسم دون كتلة وبدون حقل أو شحنة ولها سرعة تقارب سرعة الضوء ، فالنيترينو تجتاز دماغنا كما لو انه حيز خال وهي تجتاز الأرض برمتها دون أن تتحول أو أن تحيد عن اتجاهها مستمرة في طريقها بكل رصانة ) [25] .
إن الطاقة العقلية تستطيع أن تتحكم بالمادة بدون لمس مادي مرئي ، وقد ثبتت هذه الظاهرة المسماة -بسيكوكينزيا-وأكد هذه الحقيقة الدكتور راين من جامعة ديوك في المختبر وعبر بحوث دامت خمس وعشرون سنة حيث توصل إلى القول (إن الدماغ قوة فيزيائية تستطيع التأثير على المادة مباشرة )[26] .
إن ما ثبت فعلا هو أن العقل يستطيع التحكم في الذرات وفي الإشعاع وأجريت تجارب عديدة على اليورانيوم ولما كانت مفاهيم الفيزياء النووية تتحدث عن موجات وجسيمات المادة في نطاق ما تحت الذرة لذا فان القوة العقلية تستطيع أن تثبت وجودها أكثر في مجالاتها الكهربائية، ولاشك أن هذه الطاقة العقلية ليست مادية وان كانت تخرج من مادة الدماغ وهذا يعني امكان إفراز العقل كطاقة من الدماغ كمادة .
إن لنظرية الفيزياء -نظرية التتام- التي حاز بها - بروكلي- جائزة نوبل يمكنها أن تعطينا ضوءا تفسيريا أدق لطاقة العقل عبر مادة الدماغ ، حيث افترض بروكلي في حديثه عن الموجات المادية بان الإلكترون ( هو جسيمة وموجة في آن معا ، وأطلق -بوهر- على هذه الصفة الثنائية التي تعد أساسية في الفيزياء الحديثة تسمية مبدأ التتام principle of complementacity أي متمما لعضه بعضا –وقد علق هايزنبرغ على هذا بقوله – إن تسمية التتام التي أطلقتها مدرسة كوبنهاكن تتوافق تماما مع مبدئية ثنائية المادة والعقل لديكارت )[27] .
أما بأولي صاحب نظرية الكم فقد عبر عنه في وقت مبكر وقد كان من أكثر الحلول لقبول عملية التوازي بين النفسي والفيزياوي ، أي العمليات العقلية والجسدية متلازمة وان احدهما يتغير بتغير الآخر دون أن يكون بين سلسلتي التغيير علاقة سببية ، ويبدو أن العلوم الحديثة حملتنا على الوصول إلى استيعاب أكثر إقناعا لهذه العلاقة وذلك من خلال استحداث مفهوم التتام في الفيزياء نفسها وقد يكون من أكثر الحلول قبولا هو أن العقل والجسد عبارة عن مظهرين متتامين لنفس الحقيقة .
لقد كانت وجهة نظر القرن التاسع عشر تقول بأن كل التفاعلات تتضمن أجساما مادية ، لكن وجهة النظر هذه لم تدم طويلا ، فنحن اليوم ندرك أن هناك حقولا كاملة غير مادية ، ويقول احد علماء الفيزياء ( إن التفاعلات الميكانيكية الكمية لفيزياء حقل القوى النفسية الخارقة هي بكاملها غير مادية وهذا ما تؤكده أكثر معادلات ميكانيكا الكم أهمية وأكثرها اعتمادا في الوقت الحاضر ..إن هذه المعادلات لا تتطرق مطلقا إلى كتل متحركة إلا أنها تنظم سلوك عقول تجريدية جدا، وهي في كثير من الحالات تتعلق على وجه التأكيد بحقول لا مادية تضاهي في غموضها الجذر التربيعي لاحتمال ما )[28] .
لقد كان اكتشاف العالم الغريب للجسيمات وتناقضاتها دور ا كبيرا في توضيح الصلة المفقودة بين المادة والعقل فجسيم النيترينو المسمى الجسيم الشبح الذي تنبأ بوجوده على أسس نظرية وولف كانك بأولي عام 1930 وثم اصطياده في المختبر بعد خمسة وعشرين عاما ، هذا الجسيم لا يمتلك أي خصائص فيزياوية فهو عديم الكتلة ولا يمتلك شحنة كهربائية أو حقلا مغناطيسيا لذا فهو لا يتأثر بالجاذبية كما لا يمكن أن يتأثر بالحقول المغناطيسية والكهربائية للجسيمات الأخرى أثناء طيرانه بقربهم وهو لا يتوقف إلا عند تصادمه تقابلا وبشكل مباشر مع جسيم أولي آخر ، وقد لقب بالجسيم الشيح لهذه الغرابة في صفاته ، ومن هنا طرح بعض العلماء إمكانية وجود جسيمات قد تسهم في توضيح الصلة المفقودة بين المادة والعقل وهكذا وجدنا العالم الفلكي-فيرسوف- يقول بان ( العقل كينونة كونية أو تفاعل مماثل لتفاعلات القوى بالكهربائية أو قوى الجذب ولابد من وجود –معامل للتحول- تتعادل بواسطته – مادة العقل- مع الكيانات الأخرى للعالم الفيزياوي ، وأشار أيضا إلى امكان وجود جسيمات أولية لمادة العقل أطلق عليها مايندوز mindons وهي تمتلك خواص تشابه نوعا ما خواص النيترينو) [29] .
وبعض العلماء طرح صورة لهذه الكينونة في العمليات النفسية فاعتبرها صفة شكلية أكثر منها جسيمية .
ولو عدنا إلى علماء الفسيولوجيا العصبية فإننا سنرى تأكيدا على وجود طاقة –عقلية غير مرئية بامكانها تحقيق التأثير المادي ، فهذا العالم البريطاني الدكتور-كري ولتر- الذي أجرى اختبارات عديدة على هذه الحقيقة يقول عام 1960 ( إن تسخير ماكنة كهربائية بفعل إرادي يمكن للمرء أن يؤثر على أحداث خارجية من دون حركة أو فعل علني وذلك عبر موجات كهربائية غير محسوسة لدماغ الشخص نفسه )[30].
من كل ما تقدم وبعد دراسات عديدة على مستوى فيزياء الجسيمات الدقيقة وطاقات العقل نرى أن السر- سايرل بيرت- يلخص وجهة نظره بافتراض وجود طاقة خامسة غير معروفة فيزيائيا في العقل فيقول ( إن الفيزياء المعاصرة اعترفت بأربعة أنماط من القوى هي القوة الشديدة والقوى الكهرومغناطيسية والقوى الضعيفة وقوى الجذب الكتلي وكلها تخضع لقوانين خاصة بها ، لكن ليس هناك استحالة مقررة سلفا تمنعنا من افتراض نظام آخر أو نمط آخر من التفاعل بل إننا بانتظار مزيد من البحوث المكثفة)[31].
ويلتقي هذا الطرح مع ما يتحدث به العلماء السوفييت الذين بحثوا غوامض الطاقة الباراسيكولوجية بحثا دقيقا وتحدثوا عن ما يسمونه الطاقة الحيوية حتى أنهم طالبوا ببناء جهاز طاقوي لفسيولوجية الأعضاء الإنسانية وقد تحدث البروفسور- أ ن مندليا نوفسكي - المختص بالعلوم الطبية عن بحوث العلماء السوفييت عن هذه الطاقة فقال (ولكن ما هذه الطاقة التي تتضمن في محتوياتها كل الأنواع المعروفة عن الطاقة ولكنها بنفس الوقت لا تتميز ولا تتصرف كما يتصرف أي نوع منها ، لقد وصفت الهند القديمة تصورا خاصا بخصوص الطاقة باعتقادها إن كل واحدة من الطاقات المعروفة لدينا مبنية بشكلها الخاص من بنى خاصة جزيئات الطاقة ومن هنا نسمع هذه الأيام ما يقال عن التداخل المتبادل بأشكال الطاقة )[32]
ثم يتساءل –ما هي هذه الطاقة المنقذة الغامضة ..الذاتية الوجود والتي لا يزال الكثير من العلماء يضعونها موضع الشك ؟ ويجيب (لقد توصل العلماء السوفييت -ك ا اكور فيجيم وفيكازناجيف -مشاركة مع الكاتب- بوكوليابيف وا اكوديكون- إلى وجود مجال طاقوي حول الكائنات الحية في مستويات متباينة من التطور ، من مكونات هذه المجالات حصلوا عمليا على جميع أشكال الطاقة الحيوية المعروفة لدى الفيزيائيين ، لقد تعود العالم الحديث الاعتراف بكل ما تظهره الأجهزة أما جهاز مجال الطاقة الحيوية فقد سكتوا عنه لحد الآن )[33] .