كتاب " نهضات مجهضة جدل الهوية والفاعلية " ، تأليف محمد الشاويش ، والذي صدر عن دار الفكر للطباعة وا
أنت هنا
قراءة كتاب نهضات مجهضة جدل الهوية والفاعلية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مقدمة : خمس محطات و ست شخصيات
في التاريخ العربي المعاصر
قراءة تاريخية مقارنة
المقالات الأربع الأولى في هذا الكتاب الصغير تتضمن قراءة في سيرة حياة خمس شخصيات من التاريخ الحديث، وهي شخصيات مهمة، اخترتها ليس لأهميتها السياسية العامة التي يتطرق إليها الباحثون عادة، بل لأهميتها في المبحث الذي يشكل مركز اهتمامي في كل ما أكتب منذ سنين عديدة، ألا وهو مبحث العلاقة بين الكفاح في سبيل الحفاظ على الهوية الثقافية المميزة، والكفاح في سبيل فعالية حضارية قادرة على جعل هذه الهوية المميزة قابلة للبقاء، وبالذات، وفقاً لتعبير مالك بن نبي المفضل "غير قابلة للاستعمار".
والمقالات الأربع هي عن أربع محطات في هذا التاريخ الذي سيلاحظ القارئ أنه بالفعل "يعيد نفسه":
المحطة الأولى: هي محطة (ما قبل الغزو الأوروبي)، ثم بداياته، وسأتكلم فيها على (عمر مكرم)، والشيء المهم عنده أنه في كفاحه مع أنصاره قدّم (بدايات الفاعلية الجماعية).
المحطة الثانية: هي محطة الاحتلال الأجنبي في عصر الخديويين إسماعيل وتوفيق، والشخصية فائقة الأهمية هنا هي شخصية (عبد الله النديم)، وهي شخصية فريدة من نوعها في نظري؛ لأنها تشكل أول نموذج معروف للمثقف التأصيلي الفاعل كما أسميه. وهو المثقف الذي يمتلك خاصية العلاقة العضوية العميقة مع ثقافة شعبه، ولكنه في الوقت نفسه يحرك هذا الشعب - لأنه ينطق بلغته - نحو التغيير الحضاري المنشود.
المحطة الثالثة: ظهرت فيها شخصيتا (مصطفى كامل) و(محمد فريد)، وهما تمثلان محطة النضال ضد الاحتلال، مع المواجهة الواضحة، ربما لأول مرة، لمشكلة العلاقة بين المستوى السياسي والمستويات الأخرى في المجتمع، ولتعقّد العلاقة بين السلطة الاستعمارية والقوى السياسية الداخلية.
المحطة الرابعة: ومثلتها شخصية (حسن البنا)، وهي تقدّم في نظري حالة انحراف حركة اجتماعية نهضوية مبشرة إلى حركة تآمرية نخبوية، مصابة بهذا المرض المزمن الذي يعرقل النهضة عندنا؛ وهو مرض "فرط التسيّس".
وباقتراح من دار الفكر المحترمة رأيت أن أضيف محطة خامسة من تاريخنا العربي- الإسلامي في منطقة المغرب الأقصى، وهي محطة المجاهد والنهضوي الكبير الأمير عبد الكريم الخطابي. وما هو متميز في تجربته كان دمجه بين هدفين هما مقاومة الاستعمار ونهضة العلاقات الاجتماعية الداخلية، فقد كان أستاذاً كبيراً ملهماً في العملين معاً: كان أستاذاً استراتيجياً في الفن العسكري، شهد له خصومه من فرنسيين وإسبان، وكان أستاذاً في فن النهوض بما سيسميه مالك بن نبي لاحقاً (شبكة العلاقات الاجتماعية)، فكأنه كان تطبيقاً خلاقاً لهذه الحدوس النظرية لجاره الجزائري الذي سيأتي بعده بجيل واحد.
وفي هذا الكتاب كما في كتبي الأخرى أتوجه لفاعل عربي نهضوي جديد أرجو من كتبي أن تكون مساهمة متواضعة في الحوار معه بلغة التاريخ، لكي يستفيد منها في مسعاه لإخراج أمتنا من أسوأ حقبة شهدتها في كل تاريخها، ووضعها على طريق استعادة دورها الحضاري التاريخي، ولا أقصد بحال من الأحوال تقديم مادة أكاديمية محايدة لا تعني إلا المتخصصين. وبهذه الروح أتمنى أن يقرأ كتابي هذا ككتبي الأخرى.