كتاب " المغمور من أديان الشرق الأوسط " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب المغمور من أديان الشرق الأوسط
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
إذا ما شاء المرء أن يدرك أبعاد ديانات الأقليات التي نبحثها في الصفحات القادمة، يغدو من الضروري عليه أن يحرِّر نفسه من الأفكار المسبقة ومما عُبئ به من المفاهيم والتحاملات المتنوعة عبر محاولة تحرير الذات لتهيئة موقف فكري مُنقَّى من المفاهيم المسبقة والعدائية، وخالٍ من التطرف أو الغلو.
إن بقاء الأديان الثلاثة بداخل بيئة مناقضة كتلك التي تلف إقليم تركبه الصراعات الطائفية، إنما يلقي الضوء على أسباب التواصل والاستمرارية التي أتاحت لمثل هذه الأقليات تطوير أنماط سلوكية جمعية معينة تصب في تجنب الاضطهاد والاندثار والتذويب في آنية جماعات دينية أوسع.
لذا فإنه من المهم أن نبحث مثل هذه الأنماط السلوكية الجمعية التي طوَّرها المؤمنون بهذه الأديان الثلاثة عبر العصور، مع إشارة خاصة إلى الأدوار الاجتماعية والسياسية التي يمكن أن يضطلعوا بها للتعريف بمكانتهم الاجتماعية وإمكانياتهم بضمن مهاد مجتمعي أوسع.
إن جهدًا من هذا النوع لا يمكن أن يخلو من الجدوى لأنه يخدم في إلقاء الضوء على "الجانب الآخر" من الشرق الأوسط في سبيل تجسيده لعموم العالم وللمهتمين خاصة، فهو الجانب المعتم الذي لم يمط عنه اللثام بالكامل حتى اللحظة بسبب عدم منحه ما يستحق من اهتمام بدواعي غير مقنعة قد تكمن في طيات الأفكار المسبقة والتنميطات الخاطئة التي استزرعها في دواخلنا "حُرَّاس الأديان" الكبرى عبر الإقليم بواسطة أنظمتنا التربوية وثقافتنا الشائعة. ثمة إرادة واضحة المعالم ما فتئت ترمي إلى تجنب هذه الأديان والابتعاد عن رصدها وبحثها، وكأنها حقول ألغام لا ينبغي أن تطأها أقدام المهتمين.
لا يمكن للفصول التالية أن تدَّعي الإلمام بكل ما يتعلق بهذه التقاليد الروحية، فهذا ليس من مهمات الكتاب النهائية، خاصة وأن هناك من العقائد والطقوس والمسلمات التي ستتم الإشارة إليها دون مناقشتها على نحو كامل بسبب ما يشوبها مما هو غير قابل للشرح أو للعقلنة أو للإدراك المنطقي المبسط، وهي حال تنطبق على جميع التقاليد الروحية في العالم بلا استثناء. وللمرء أن يلاحظ أننا قد عمدنا إلى ترك بعض العناصر والمُسلَّمات لهذه الأديان غامضة كي لا نحرم القارئ من فوائد "صدمة الوعي" المرجوة من كل بحث مجد. ثمة حاجة ضاغطة لحث القارئ إلى المزيد من البحث والاستزادة والإغناء، فهذا هو ما نتوخى تحقيقه في نهاية المطاف. هنا تكمن جاذبية الموضوع، خاصة وأنه يعرض مسلمات القارئ ومفاهيمه المسبقة لتيار ثقافي "جديد"، تيار مستفز نسبيًا، لم يألفه من ذي قبل، تيار مستل من الزوايا البعيدة وغير المكتشفة للشرق الأوسط. هكذا يتحقق الإدراك، أي من محاولة القارئ، المثقل بالمفاهيم المسبقة والمنمطة التحرر منها عبر اضطلاعه بواحدة من أذكى أنشطة العقل الآدمي، ألا وهي أنشطة المقارنات والمقاربات: فعندما يتتبع القارئ متوازيات معينة ويقارن أفكارًا ومعتقدات بأخرى كانت تبدو له، طوال حياته، وكأنها الحال الطبيعية أو الصحيحة، فإنه لابد أن يعمد إلى إلقاء الضوء على حاجة الإنسان للدين وميله للعبادة، زد على ذلك ملاحظته ومساءلته ما يجري في العالم الغربي حيث يظهر أدعياء نبوة ومبشرين بأنظمة روحية جديدة يطفون على بشرة الحضارة الغربية من آنٍ لآخر عكسًا لمرض داخلي يعتمل في أعماق تلك الحضارة، مرض لم تزل أسبابه ترد إلى تراجع الحياة الروحية وإلى الحاجة الدائمة لأساس صلب للتيقن.
لأن هذه "الأديان الأخرى" التي نناقشها فيما يلى من الفصول القصيرة تبدو غير شائعة أو معروفة للقارئ العربي، فقد اضطررنا لإستعارة ألفاظ من لغاتها الأصلية، الأمر الذي قاد إلى الحاجة لتقديمها وشرحها للقارئ على نحو مبسط لمساعدته على فقه معانيها.
في هذا السياق لا بد لي من تقديم تعابير الشكر والعرفان لزوجتي الفاضلة، السيدة ( لقاء صاحب الورد ) التي كانت خير سند ومشجع لي منذ شببت حتى شبت. ولا مناص من أن أشكر عددًا من الأصدقاء المندائيين واليارسانيين واليزيديين الذين لم يترددوا في تقديم العون والمشورة لي على سبيل خدمة الحقيقة بقدر ما أمكن.