أنت هنا

قراءة كتاب المغمور من أديان الشرق الأوسط

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المغمور من أديان الشرق الأوسط

المغمور من أديان الشرق الأوسط

كتاب " المغمور من أديان الشرق الأوسط " ، تأليف د.

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
الصفحة رقم: 6

ربما تكون الحرب العالمية الأولى هي التي دشنت "عصر النفط" من الناحية العملية، فطفت أخبار هذه المادة الحيوية الحديثة الاكتشاف كمصدر للطاقة، لأول مرة في التاريخ، برغم عدم اكتشاف كامل إمكانياتها وآفاقها الصناعية، باستثناء ملاحظة حكومات أوربا أن النفط يمكن أن يحلَّ محل الفحم الطبيعي مصدرًا للطاقة، خاصة بالنسبة للمتنافسين التاليين في الحرب العالمية الثانية التي اندلعت بعد سنوات توتر مشحونة بالتنافسات والتكتلات والأحلاف. لقد تأكد مذاك، كما هي عليه الحال اليوم، أن من يهيمن على النفط هو من سيتفوق.

لقد كان المدخل الأوربي النفعي للشرق الأوسط بدرجة من التعامي، أنه تجاوز جوانب أخرى لأهمية هذا الإقليم المتنوع والمترامي. وقد بانت هناك العديد من المؤشرات التي وجب استذكارها بقدر تعلق الأمر بتقييم وفك شفرة رموز اهتمامات أوربا بالإقليم. للمرء أن يلاحظ أن مثل هذه الرموز قد تباينت وتنوعت بعد تفكك الإمبراطورية العثمانية بعدما كانت أكبر قوة إقليمية.

وللمرء، بضمن سياق هذه المناقشة، الارتجاع إلى الإرهاصات التي اعتملت في دواخل الجنرال الفرنسي نابليون بونابرت، تلك الإرهاصات التي تجلَّتْ في خطابه الشهير لجنوده بالقُرب من أهرامات الجيزة قبل اقتحام القاهرة، مذكِّرًا الجُند بأن قرونًا من التاريخ ترقبهم في هذه المعركة التاريخية. زد على ذلك سلوكه الغريب، عندما التحق بإحدى حلقات المتصوفة في القاهرة، إضافة على اعتداده الشخصي بذاته، ذلك الاعتداد الذي تجسَّد باستخدامه الجنسي لـ"فاطمة"، وهي شابة مصرية، في جهد كان يرنو إلى "ترميز" هيمنته على مصر، عبر إمتلاكه جسدها الغض. يجسد الباحث "إريك ماير" Eric Meyer هذا النزوع النفسي الترويحي باستخدام توازِ يفيد بـ" إذا ما اعتبرناها جملة فوق نحوية، فان سر البنية المنطقية التي اعتمدها الاستشراق الرومانسي آنذاك يمكن أن تختزل في بنية كتاب هيغل (فلسفة التاريخ)، حيث يهزم الغرب، فاعلاً، الشرق، مفعولاً به، في الصراع العالمي على الهيمنة التاريخية " (1). لقد باشر الغرب الذكوري الشرق، بضمن ثرواته وأقوامه وتراثه، كيانًا مؤنثًا سكونيًا ملفوفًا بالحجاب. (2)

إنه لمن المهم في هذا السياق ملاحظة أن المسائل الروحية ترادف الأنوثة في دواخل اللاوعي الغربي. من هنا نبعت الحاجة النمطية الجمعية التي عكسها الشعراء والكتّاب الخياليون الغربيون في حنينهم للعودة إلى "رحم" (3) الحضارة، كناية عن ماضي الإقليم، على سبيل مزج "أنصاف الأفكار" الغربية بأنصاف "الأفكار الشرقية" لاستيلاد "الإنسان الألفي الجديد" (4).

لقد تبلور هذا النمط الغربي النفسي الغربي في الحنين إلى الماضي، ذلك الحنين المفعم بالروحانيات وبالماديات في فكرة دفء الشرق الأوسط. لذا شهدت أراضيه الظهور المفاجئ للعديد من الرحَّالة، منهم المفكرون الروَّاد الذين توجهوا صوب بلداننا مدفوعين بقوة بحثٍ مضنٍ عن التيقن وعن الذات، هذا هو نفس البحث الذي قاد بعضهم إلى خلاء البوادي العربية؛ هذه البوادي التي خلبت عقول المرتحلين الكبار من أمثال تشارلس دوتي Doughty وأوستن ليارد Layard ووليام هوغارث Hogarth وجيرترود بيل Bell وولفريد ثسجر Thesiger وكيفن يانغ Young وفريّا ستارك Stark، من بين آخرين ممن أدَّوا دراما الذات المغتربة والمضطربة عبر استشراق الارتحال على مسرح الشرق الأوسط النقي والبعيد عن قساوة عالم الماكنة والصناعة.

الصفحات