كتاب " المغمور من أديان الشرق الأوسط " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب المغمور من أديان الشرق الأوسط
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
لقد خدم هذا القناع المضلل الذي وضعه طُغاة الشرق الأوسط طوال عقود، لترويج صورة إقليم موحد برمته، إقليم يبدو وكأنه موحد بدين مُنزَّل واحد، الإسلام.
ولا يقل أهمية عن هذا التضبيب في الصورة هو ما لعبته المداخل الغربية لدراسة الإقليم التي سقطت هي الأخرى، في أفخاخ مجاملة وتملق الأنظمة الاستبدادية في أحيانٍ عدة، داعمة رغبتها تقديم صورة موحدة لأقوام الشرق الأوسط للعالم. وقد زاد هذا المدخل الوحيد الجانب من حال تجاوز وتجاهل الجماعات الدينية "الأخرى" التي لا تقبل الضم إلى أي من أصناف التقاليد الدينية الرئيسة، أي الجماعات الدينية العصية على التصنيف التقليدي لما يسمى بـ"الجغرافيا المقدسة" (16) . لقد بدا الأمر وكأنك فردًا من مواطني الشرق الأوسط، لايمكن إلا أن تكون مسلمًا أو مسيحيًا أو يهوديًا. لقد اعتمدت السلطات "زِيًّا موحدًا" بمساعدة بعض المستشرقين والصحفيين أحيانًا، للتضبيب على عدد من التقاليد الدينية واضطرار أتباعها الانكماش، لائذين بالظل بعيدًا عن معتقدات الأغلبية وقسرية السلطة، بل وحتى عن عدسات الإعلام والباحثين الأجانب، خشية الظهور على نحوٍ شاذٍ غير متوازٍ مع السائد. بل إن أتباع هذه الأديان كانوا بدرجة من المحافظة والتحسس من الرصد والدراسة لتحاشيهما، أنهم فضَّلوا الخصوصية النائية بنفسها عن الأضواء على الإعمام المعرفي على مستوى عالمي واسع.
لهذا النوع من التحسس واللوذ بالصمت والمحافظة ما يبرره بقوة (خاصة في سنوات العقد الماضي) بسبب انتشار وانتشاء الحركات الإسلامية الراديكالية والجماعات الإرهابية التي دأبت على توعد الآخرين، وبضمنهم مسلمين، بـ"التكفير"، نظرًا لعدهم جماعات لا تؤمن بما تؤمن به هذه الحركات من إسلام متشدد خاص بها، الأمر الذي أوجب "القصاص الشرعي" عليها.
لقد لاذت الأقليات الدينية بالانفصال والابتعاد، اعتمادًا على العيش في زوايا و جيوب جغرافية مستقلة وبعيدة المنال وذاتية الاكتفاء لتجاوز الاحتكاك بالأغلبية ولتجنب اضطهاد الغلاة منها، الأمر الذي أسهم في تشكيل بِنى مهمة في "سايكولوجية الأقليات" التي سنخصها بالدراسة والمناقشة في فصلٍ لاحق. بل وصل أفراد هذه الأقليات درجة من التحسس أنهم راحوا يشعرون بأن من يطلب المعرفة المجردة عن أديانهم وأحوالهم إنما هو شخص عدائي يقصد الإساءة، خاصة عندما يحاول أن يعرف أكثر مما ينبغي، أي أكثر من المسموح به تقليديًا، خشية العبث بتصويرهم وتحريف تقديم دينهم وتمثيل مجتمعهم المغلق على نحوٍ مشوَّه.
مع إشارة خاصة لهذه الأنظمة الدينية التي يغلب عليها الطابع التوفيقي أو التركيبي، أي الأنظمة التي لا تبدو عقائدها مطابقة لعقائد الأديان السائدة، بمعنى الأديان الرسمية التي تحتضنها الأنظمة الحكومية، اسميًا فقط، للنجاة من التغير، تذهب الباحثة "كرزتنا كيلبودروغي" Kehl-Bodrogi إلى رصد تعقيدات وجود هذه الأقليات في الدول التي تعتمد الإسلام دينًا رسميًا، مثل تركيا أو إيران أو العراق، كي تلاحظ أن الحكومات في هذه الدول تحاول أن تتجاهل هذه الأقليات الدينية على سبيل تحقيق نوع من التوفيق بينها وبين دين الأغلبية الرسمي (17) ، من ناحية أولى، وعلى سبيل اعتماد سياسة تهدف لتطمين هذه الأقليات بعدم التمييز، من ناحية ثانية. المقصود من ذلك هو تطمين هذه الجماعات الدينية بتوخي العدالة الاجتماعية وبضمنها عدالة التوظيف وتسنم المناصب المهمة في أجهزة الدولة من قبل الجميع، شريطة عدم إشهار أتباع هذه الأديان معتقداتهم الدينية على نحو علني صارخ بضمن مهاد رسمي إسلامي غير موائم. يُعتمد هذا النوع من السياسات المزدوجة المعايير لردم الهوة بين سياسات ما يسمى بـ"الدين الرسمي" مناقضًا لسياسات الديانات الأخرى.، هذا جانب آخر من جوانب سياسات المواقف المنافقة السائدة في العديد من دول الشرق الأوسط، نظرًا لعدم توخيها أنظمة سياسية ديمقراطية تعتمد العدالة المطلقة أساسا للمساواة بين المواطنين دون تمييز، الأمر الذي يقود هذه الحكومات إلى اللوذ بالروح التوفيقي، إذا لم تعتمد اللجم والبتر كما لوحظ في أعلاه.