أنت هنا

قراءة كتاب الثقافة والمنهج

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الثقافة والمنهج

الثقافة والمنهج

كتاب " الثقافة والمنهج " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6

س: في رحلتك الفكرية أشرت إلى أن علاقتك بالمجتمع في دمنهور تشبه علاقة علماء الاجتماع الألمان بمجتمعهم. كيف ذلك؟

ج: ألمانية كانت في بداية القرن التاسع عشر، من أقل الدول الغربية تحديثاً. مستوى الصناعة بها كان ضعيفاً، ولم يكن لديها مشروع استعماري مثل الدول الغربية الأخرى. لكن مع وصول بسمارك إلى الحكم وتوحيد ألمانية حققت قفزات سريعة ومذهلة، بحيث أصبح إنتاج الحديد والصلب مثلاً في ألمانية ضعف إنتاجه في إنجلترة نفسها. وتبع ذلك التطور تطور سريع في الصناعات الألمانية كافة. لكن ظلت هناك جيوب وعادات تقليدية عديدة، فعلماء الاجتماع والمفكرون الألمان مثل ماكس فيبر وغيره، كانوا ينظرون للمجتمع، فيرون المجتمع بشقيه، المجتمع التقليدي والمجتمع الحديث. وأنا أذهب إلى أن المعرفة الإنسانية في نهاية الأمر معرفة مقارنة، فنحن لا نعرف الشيء في حد ذاته وإنما نعرفه من خلال مقارنته بشيء آخر. وبالفعل قام هؤلاء العلماء والمفكرون بمقارنة المجتمع الحديث الذي كان يتشكل تدريجياً في المجتمع التقليدي الذي كان يتآكل من حولهم. فرأوا الحداثة بكل مزاياها وعيوبها، كما رأوا المجتمع التقليدي بكل مزاياه وعيوبه. وقد حدث بالنسبة إلي الشيء نفسه، حيث ولدت في دمنهور في أواخر الثلاثينيات، وكانت دمنهور تعد من أكثر المدن تصنيعاً في العالم (بالنسبة إلى عدد السكان) بسبب وجود عدد كبير من محالج القطن فيها، ولكنها مع هذا كانت أقرب إلى القرية منها إلى المدينة، حيث كنا أنا وزملاء الدراسة في طريقنا للمدرسة نمر على الحقول، فكنا نشتري الخس أو الطماطم من الفلاحين، ونأخذها من الحقل بأنفسنا ونأكلها طازجة. وكان هناك "سوق الاثنين"، حيث كان يأتي الفلاحون من القرى الكثيرة المجاورة المحيطة بدمنهور، فيأتون بمنتجاتهم الزراعية (البيض- الجبن - الدجاج) ليبيعوها ويشتروا ما يحتاجون إليه، أو يأتون للمدينة بعد بيع القطن ليقوموا بتجهيز بناتهم للزواج.

ويبدوأن الاقتصاد التبادلي كان سائداً حتى عهد قريب. أذكر في طفولتي أنه بعد ذهابنا للحلاق، كنا نداعب بعضنا البعض بقولنا "الفرخة باضت ولا خبزتم"، بمعنى أنني حملت بيضة أو رغيف خبز وأعطيته للحلاق نظير أن يقوم بحلاقة رأسي! وباختصار فإن بنية دمنهور بوصفها مدينة تجارية حديثة وقرية زراعية تقليدية في الوقت ذاته ترك أثره عليَّ. فقد كانت العلاقات الاجتماعية والإنسانية تتسم بقدر من التعاقد وقدر من التراحم.

الصفحات