أنت هنا

قراءة كتاب الثقافة والمنهج

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الثقافة والمنهج

الثقافة والمنهج

كتاب " الثقافة والمنهج " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

س: وما الفرق الأساسي بين المجتمعات الحديثة والمجتمعات التقليدية؟

ج: المجتمعات الحديثة مجتمعات لا تستند العلاقات فيها إلى العرف أو العادات أو القيم الدينية أو الأخلاقية وإنما إلى التعاقد، وعادة ما يكون العقد مكتوباً بلغة قانونية. ومعدلات الفردية في مثل هذه المجتمعات عالية، كما أنها لا تتسم بالتماسك، بل تتسم بالوضوح والتحدد. كل هذا على عكس المجتمعات التقليدية التي قد ينتشر فيها التعاقد ولكنه لا يمثل الشكل الوحيد للعلاقات بين البشر، حيث إن هناك العرف والعادات والروابط العائلية والقبلية والجماعات الوسيطة العديدة. ولذا نجد أن معدلات الفردية في المجتمعات التقليدية أقل بكثير من المجتمعات الحديثة، فالإنسان يوجد داخل شبكة كثيفة من العلاقات الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية المتشابكة. وانطلاقاً من هذا الإدراك قام علماء الاجتماع الألمان بتقسيم المجتمعات إلى مجتمعات تقليدية تراحمية Gemeinschaft جماينشافت، ومجتمعات حديثة تعاقدية Gesselleschaft جيسيلشافت.

وقد اكتسب الصراع بين الجماينشافت والجيسيلشافت، ومظاهر الانتقال من الواحد للآخر، مركزية في علم الاجتماع الألماني. وعلى تصاعد عمليات التحديث والتصنيع في ألمانية فقد ظلت الأشكال الحضارية والاقتصادية التي سادت في مجتمع ما قبل الصناعة والرأسمالية، مزدهرة فيها بكل محاسنها وعيوبها. ولذا، كانت هذه الأشكال الحضارية هي الأرضية التي وقف عليها علماء الاجتماع الألمان فطرحوا، انطلاقاً منها، بديلاً للعلاقات التعاقدية التي تهيمن على المجتمعات الرأسمالية. وينتمي ماركس (برغم ديباجاته الثورية) إلى تقاليد علم الاجتماع الألماني، ويتبدى هذا في الجماينشافت التراحمي التقليدي. فالمجتمع الشيوعي مجتمع خال من الصراع الطبقي والتطاحن الرأسمالي والصراع من أجل البقاء، مجتمع يتسم بالعدالة والمساواة والأخوة. كما أن النقد الماركسي الإنساني (جيورجي [جورج] لوكاش Gyorgy Luckacs - مدرسة فرانكفورت- هربرت ماركوز Herbert Marcuse.. إلخ) للحداثة الغربية ولمصير الإنسان الغربي يخرج من هذه التقاليد نفسها.

وأعتقد أن علاقتي بدمنهور بماضيها وحاضرها تشبه إلى حد كبير علاقة علماء علم الاجتماع الألماني بماضي ألمانية وحاضرها. ولعلنا لودرسنا خلفية كثير من المثقفين المصريين (وخصوصاً الثوريين) فسنلاحظ أنهم عاشوا في لحظات انتقال مثل هذه. ولعل هذا يفسر الخلفية الريفية لكثير من مثقفي مصر ممن أدوا دوراً بارزاً في تاريخ مصر السياسي والثقافي الحديث. وأعتقد أن هذا الجانب في خلفيتي الثقافية هو ما جعلني أحاول اكتشاف الأدبيات الاحتجاجية في التراث الغربي، وهو ما جعلني لا أنبهر بالمجتمع الأمريكي، فنقطتي المرجعية النهائية كانت دائماً هي المجتمع الزراعي التراحمي. ومن الطريف أن أحد أساتذتي بعد أن قرأ رسالتي للدكتوراه، بما فيها من ثورية ورفض للرؤية الأمريكية واقتصاديات السوق الحر؛ وصفها بأنها رسالة neo-feudalist Marxit (نيوفيوداليست ماركست) أي إنها ذات توجه ماركسي إقطاعي جديد!

الصفحات