أنت هنا

قراءة كتاب بصمة نبي وإعجاز مربِّ

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بصمة نبي وإعجاز مربِّ

بصمة نبي وإعجاز مربِّ

كتاب " بصمة نبي وإعجاز مربِّ " ، تأليف الشيخ عبدالكريم تتَان ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4

صفة الأمانة لدى الرسل عليهم السلام

إن إطلالة سريعة على كتاب (النبوة والأنبياء في ضوء القرآن) لأبي الحسن الندوي -رحمه الله - ترينا مسيس الحاجة إلى قادة أمناء معصومين من الضلال والأوهام والأخطاء، بريئين من كل طمع ومساومة وطلب مكافأة عاجلة أو مقابل دنيوي وربح مادي، قادة لا تتغلب عليهم الشهوات، ولا تؤثر فيهم النزعات، لا يصدرون عن رأيهم ومعلوماتهم الناقصة، وتجاربهم القاصرة ومصالحهم الخاصة[8]، قال أبو الحسن بعدما ساق ما ذكرته بمعناه: ولذلك تقرأ في سورة الشعراء أن كل نبي يبعث في أمته يؤكد لهم أمانته وإخلاصه، واقرؤوا معي الآيات التالية: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (*) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (*) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} [الشعراء: 26/105-107] ، وأشير هنا إلى أن قوم نوح إنما كذبوا نوحاً عليه السلام، وقد قال تعالى: {الْمُرْسَلِينَ} لأن تكذيب أي رسول تكذيب للجميع، ومن هنا كفر من كذب برسالة الرسول الخاتم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. وقال تعالى: {كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (*) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (*) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} [الشعراء: 26/123-125] ، كذلك قالها كل من صالح ولوط وشعيب لأقوامهم، وانظر الآيات (143 - 162 - 178) من سورة الشعراء.

إنهم رسل الله أتوا أقوامهم وغطوا القرون السوالف، وأقوامهم مختلفون، وقد ربطت الرسل هذه الوحدة العجيبة {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ *} أفلا ترتفع الأمانة علماً عبر الزمان كله بكل ألوانه وأجناسه ولغاته؟... فالأمانة على هذا كلمة جامعة بين معاني الصدق وصحة التلقي من الله العليم، وصحة الإلقاء إلى من أتوهم، وهي الركن الرئيس في مفهوم الرسالة ونظامها "ولا أجمع - كما قال الندوي - لهذه المعاني، ولا أبلغ من كلمة الأمانة في لغة العرب"[9]. هذا، وقد شاء الله تعالى أن يوصف بها الرسول الخاتم قبل بعثته للعالم، وألهم أهل مكة أن يسبغوا هذه الصفة - إلى جانب الصدق - عليه، فكان - بحق - "الصادق الأمين"، ولا يغفل هنا عن أن الفطر السليمة والعقول النيرة اتفقت على حب الداعية المخلص "الناصح الأمين"، وقد رصد القرآن الكريم الشذوذ عن هذا المنحى فيما قاله صالح عليه السلام في أسف لقومه، وهو يخاطبهم: {يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لاَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف: 7/79] .

ويأخذ بنا الاستطراد النجيب في طريق ما أيد الله به رسله عليهم السلام مما يقوم شواهد صدق وبراهين حق على أنهم مرسلون من الله تعالى لتبليغ دعوة الله، ومتانة التأييد وتنوعه تكشف عن خطورة المهمة التي يحملونها، ويكفي فيها أن سعادة الأبد تترتب عليها لمن صدق بها واتبعها، أو شقاوة الأبد لمن كذب بها وأعرض عنها، لقد جعل الله تعالى لرسله علامات بها يعرفون، وبها يتميز الصادق من المدعي، وقد ساق ابن الجوزي في صيده مجموعة من الدعاوى الكاذبة التي عجلت نهاياتها[10]. وقد قال فيهم:"أما النبوات فإنه قد ادعاها خلق كثير ظهرت قبائحهم وبانت فضائحهم، ومنها ما أوجبته خسة الهمة والتهتك في الشهوات، والتهافت في الأقوال والأفعال حتى افتضحوا". وقد ساق نماذج مما ادعاه مسيلمة على أنه وحي له من الله، منها: "يا ضفدع بنت ضفدعين، نقي ما تنقين، أعلاك في الماء، وأسفلك في الطين"، مما يُضحك من عصرته الحياة بشدائدها فغارت بسمته في أعماق نفسه، على أن دليل صحة نبوة نبينا r أجلى من الشمس، وكل كلمة من كتاب سيرته بدايةً ونهايةً شاهد على صدقه، ترى ذلك في البشارات التي تسبق مجيء الرسول، إذ كلف كل رسول بأن يمهد لمن سيأتي بعده بالبشارة به تهيئة للنفوس لتقبل على دعوته فتسعد، وقد كثرت بشارات الأنبياء السابقين ببعثة الرسول الخاتم عليه وعليهم الصلاة والسلام. وترى ذلك في الثمرات الدالة على انسجام دعوة الرسول مع الفطرة السليمة، فظهر جراء ذلك في ميدان الحياة أن الحق أخذ يحكم القوة، والوفاء يظهر على الغدر، والحقوق تؤدى لأصحابها، ويعيش الناس لله يبتغون مرضاته، ويحيون بالله محققين التوحيد ومستمدين المعونة، وبهذا وظفت في دروب الحياة الربانية الطاقات، طاقات الإنسان، أروع توظيف. ترى ذلك أيضاً في صفات الرسول الشخصية، التي تتلخص إلى جانب الكمالات البشرية في أربعة عناوين رئيسة: الصدق والأمانة والتبليغ والفطانة، والأنبياء من حيث إنهم أسوة لأقوامهم، وقدوة مثلى لمن آمن بهم، كانوا قمماً بشرية شامخة يتطلع إليها الناس بإعجاب وحب ومتابعة. كما تراه فيما أيده الله به من معجزات، والمعجزة أمر خارق للعادة يظهره الله على يد مدعي النبوة تصديقاً له في دعواه، ولو أمكن بث الروح في المعجزة حتى تنطق لقالت بلسان فصيح: صدق عبد الله فيما يبلغ عن الله، ولعل المعجزات المستقبلية التي تميط الستار عما لم يقع وقت النطق بها، فإذا بالخبر يقع على وفق ما به أخبر، لعل هذه واضحة الدلالة، وقاهرة للعقول على أن من أخبر بها إنما هو رسول ممن أحاط بالغيب كله، فهذه الأخبار لا تتناول أموراً وقعت، انطوت أو لم تنطو، وإنما كشفت عما لا يزال في رحم الغيب، وما أوسعه، وما أكثر الاحتمالات فيه.

وعلى ذكر الاحتمالات -هنا- يطل علينا معنى ينبغي أن يرصد ويحدد، وهو أنه حال وقوع الخبر لا يكون له في الواقع ولا قريباً من الواقع ما يدل أو يقرب من الدلالة على إمكانية وقوع المخبر عنه، بل ربما يكون الواقع مناقضاً كل المناقضة ومباعداً كل المباعدة عنه، خذ مثلاً: وعد النبي عليه الصلاة والسلام لسراقة، أو ما بشر به الرسول الصحابة وهم يحفرون الخندق، وما كشفه عليه السلام لعدي بن حاتم من حقائق لما تزل في رحم الغيب. إن مسألة الغيب من جهة المستقبل ترجع حصراً إلى عالم الغيب والشهادة، ولولا أن المرسل من قبله سبحانه صادق فيما أرسل به لما أمكن لبشر مهما أوتي أن يحيط دون الله بما لم يدخل في حيز الوجود،وليس له مقدمات فيه، ونحن نتحدث هنا لنقطع عروق الريبة من عروق النفس عن أنباء ليس لها في الواقع الذي سيقت فيه أدنى مؤشر إليها أو دلالة عليها، بل هي على خلاف ما كان عليه الحال وقت الإنباء بها، وكان ذلك لئلا يقال: هذا لون تنبؤ بقادم دل عليه أو على بعضه الحاضر، أي: رؤية النتيجة من قلب مقدمتها، كما تفعله الأرصاد الجوية بناء على سنن كونية مستمرة، أو ما تتناقله الجهات المختصة بالكسوف أو الخسوف. فما البشارة التي بشر بها الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة بل الأمة قاطبة حال حفر الصحابة للخندق، وقد كانوا في حال تعب وخوف وبرد وجوع، بعدما جاءت الأنباء بإغارة الأحزاب على المدينة يريدون إطفاء نور الله فيها بتمويل من يهود المدينة وترتيب معهم؟

الصفحات