كتاب " بصمة نبي وإعجاز مربِّ " ، تأليف الشيخ عبدالكريم تتَان ، والذي صدر عن
أنت هنا
قراءة كتاب بصمة نبي وإعجاز مربِّ
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
عود على بدء
بعد رحلتنا هذه نعيد ما سنقف قبالته وقفة ظمآن إلى مناهل العرفان، قال ابن كثير: "هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل بعد؟" سؤال توجه به النبي عليه الصلاة والسلام إلى ابن مسعود، فقال: نعم.. يقول ابن مسعود: "فأتيتهما بها فاعتقلها أبو بكر وأخذ رسول الله الضرع، فحفل الضرع، وأتاه أبو بكر بصخرة منقعرة، فحلب فيها، ثم شرب هو وأبو بكر، ثم سقياني، ثم قال للضرع: اقلص، فقلص. فلما كان بعد أتيت رسول الله فقلت: علمني من هذا القول الطيب (يعني القرآن) فقال: "إنك غلام معلم" فأخذت من فيه سبعين سورة ما ينازعني فيها أحد[22].
لقد حرص الرسول أن تكون الشاة شاة لم ينز عليها الفحل، إذ لا يصدر لبن عن مثلها في العادة بعدما سطع نور الأمانة من ثنايا ابن مسعود، ومن المعلوم في عالم النساء أن المرأة إن لم تكن والدة بعد حملها لا يتأتى من ثديها لبن، وكأن لبن المرضع رزق ساقه الله للحمل حالما تنقطع عنه التغذية عبر الحبل السري، لتبدأ التغذية من حليب يخرج من بين فرث ودم سائغاً للرضيع، وكأن الرسول -هنا- يقول لابن مسعود: إن لم تسقنا من اللبن تحقيقاً لما قام فيك من صفة الأمانة فإن الله تعالى يسقينا من فضله، وخارج إطار الأسباب، ولكنه أراد تحقيق عالم الأسباب أولاً، ولو انتفى التأثير الذاتي عنها، لذا طلب الجذعة، وهذه الشريعة الغراء جاءت تثبت عالم الحكمة، عالم الأسباب والمسببات، وتثبت التأثير لله تعالى وحده عبرها، لئلا تهمل هذه الأمة عالم الأسباب، ولئلا تسند إليها ضراً أو نفعاً دون الله تعالى، وإلا فالله تعالى قادر على أن يخلق اللبن من غير شاة، بل يخلقه إذا شاء من صخرة، وما ناقة صالح عليه السلام من هذا ببعيد، إنها طلاقة القدرة، وإنه عالم الحكمة المتمثل بما أقام الله من أسباب ومسببات، وتعطيلها تعطيل للحكمة، كما أن إسناد النفع والضر لها دون الله حجاب عن شهود قدرة الله تعالى فيها، وحل لعقدة التوحيد عظمة المؤمن، ثم لو كانت الجذعة قد نزا عليها الفحل لكانت -حسب عالم الأسباب - مظنة أن تعطي اللبن الذي امتنع ابن مسعود عن مثله...