أنت هنا

قراءة كتاب بصمة نبي وإعجاز مربِّ

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بصمة نبي وإعجاز مربِّ

بصمة نبي وإعجاز مربِّ

كتاب " بصمة نبي وإعجاز مربِّ " ، تأليف الشيخ عبدالكريم تتَان ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

قد جاء أنه عرض للصحابة رضي الله عنهم في بعض الخندق صخرة عظيمة شديدة، لا تأخذ فيها المعاول، "فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها أخذ المعول وقال: بسم الله، وضرب ضربة فكسر ثلثها، وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأرى قصورها الحمر إن شاء الله، ثم ضرب الثانية فقطع ثلثاً آخر، فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض، ثم ضرب الثالثة فقال: بسم الله، فقطع بقية الحجر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن"[11].

وقد جاء الخبر في مصادر كثيرة[12] بتفصيل فيه: "أن المسلمين عرض لهم في بعض الخندق صخرة، وفي لفظ كدية عظيمة شديدة بيضاء مدورة، لا تأخذ فيها المعاول، فكسرت حديدهم، وشقت عليهم، وفي حديث عمرو بن عوف: أنها عرضت لسلمان رضي الله عنه ، فشكوا ذلك لرسول الله، وهو في قبة تركية، فقال: أنا نازل، ثم قام وبطنه معصوب بحجر من الجوع، قال راوي الحديث: ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقاً، فدعا بإناء من ماء، فتفل فيه، ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به، ثم نضح من ذلك الماء عليها، فيقول من حضرها: والذي بعثه بالحق إنها عادت كالكثيب المهيل، ما ترد فأساً ولا مسحاة، فأخذ المعول من سلمان وقال: بسم الله، وضرب به فكسر ثلثها، وبرقت برقة فخرج نور من قبل اليمن، فأضاء ما بين لابتي المدينة حتى كأن مصباحاً في جوف ليل مظلم، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أعطيت مفاتيح اليمن، إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة، كأنها أنياب الكلاب، ثم ضرب الثانية فقطع ثلثاً آخر، وبرق منها برقة فخرج نور من قبل الروم، فأضاء ما بين لابتي المدينة، فكبر رسول الله، وقال: أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني الساعة، ثم ضرب الثالثة فقطع بقية الحجر، وبرق برقة من جهة فارس أضاءت ما بين لابتي المدينة، فكبر رسول الله وقال: أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصور الحيرة ومدائن كسرى، فكأنها أنياب الكلاب من مكاني هذا، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، فأبشروا بالنصر، فاستسر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعد صادق بأن وعدنا النصر بعد الحصر، وجعل يصف لسلمان، فقال سلمان: صدقت يا رسول الله، هذه صفته، أشهد أنك رسول الله.

ثم قال رسول الله: هذه فتوح يفتحها الله بعدي يا سلمان! لتفتحن الشام، ويهرب هرقل إلى أقصى مملكته، وتظهرون على الشام، فلا ينازعكم أحد، وليفتحن هذا الشرق ويقتل كسرى، فلا يكون كسرى بعده[13].

نحن - هنا - بين يدي مجموعة من العطاءات التي يفور بها النص، نرصدها ولو لم نرتب فيها، أما الصخرة التي اعترضت، فكأني بها تحكي العقبات التي تعيق انتشار نور الإسلام، ويتغلب عليها بالله جل جلاله، ولا يصعب أمر طلبته بالله. وأما كون الصخرة قد اعترضت لسلمان، وهو صاحب فكرة الخندق بداية، فكأنها تقول: الفكرة مهما كانت حصيفة وصحيحة ومنورة فإن إنجازها والتغلب على ما يقف في وجهها لا بد فيه من التأييد وشد العضد من المستعان به، وكأني بها تقول: إن (لا حول ولا قوة إلا بالله) حقيقة سارية في هذا الوجود بكل مظاهر حوله وقوته. وما كان من أمر الصخرة بعدما تولى أمرها الرسول صلى الله عليه وسلم يقول بملء فيه: إن نضح الفَرَج يتأتى من قلب الشدة، وإن الأخذ بالأسباب سبيل إلى تحقيق الحكمة، وتعلق القلب بمن بيده الأسباب أصل في التعامل مع حقائق الإيمان، وقد حيدت المعاول لما لم تنجح ليحل مكانها الماء ذو الجسم اللطيف الشفاف، وقد أثيرت ذراته بذكر الله، وإذا به له سطوة دونها سطوة الحديد.

إننا في الحديث نلحظ الجوع من خلال عبارات "قام وبطنه معصوب بحجر من الجوع" و"لبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقاً" وقد اجتمع إليه البرد والتعب، أما الخوف فقد أطل من عبارة المنافقين التي صاغها نفاقهم لما سمعوا الوعد بالنصر من الرسول صلى الله عليه وسلم، كما رصدها قوله تعالى: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [الأحزاب: 33/10] فما الذي قاله المنافقون، وقد رصده القرآن آيات تتلى على الدهر تصور لنا صنفاً من الناس لعلهم لا يفنون، إنما يقلون أو يكثرون، إنهم قالوا: "نحن نخندق على أنفسنا وهو -أي الرسول- يعدنا قصور فارس والروم؟"، وقالوا: "يخبركم محمد أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة وحدائق كسرى، وأنها تفتح لكم، وأنتم تحفرون الخندق، ولا تستطيعون أن تبرزوا". هذا، وقد قال الله تعالى فاضحاً حالهم: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا *} [الأحزاب: 33/12] ، وهذا الذي ذكرناه يدل دلالة قاطعة على أن الحال التي كان عليها المسلمون لما بشروا بالفتوح لم تكن مرشحة لهذه الفتوح، ولا ممهدة لها، بل على العكس من ذلك، كان طلب السلامة أمام الهجمة الوثنية اليهودية هو المطلب المنشود الذي تصبو إليه النفوس، وهذا يجلي عظمة دلالة المعجزة على صدق من ظهرت على يديه... ذلك أن الصحابة قد شهدوا هذه الفتوح. قال سلمان: فكل هذا قد رأيت.

وقال أبو هريرة حين فتحت هذه الأمصار زمان عمر وزمان عثمان من بعده: افتحوا ما بدا لكم فوالذي نفس أبي هريرة بيده ما فتحتم من مدينة ولا تفتحونها إلى يوم القيامة إلا وقد أعطى الله تعالى محمداً مفاتيحها قبل ذلك.

وهنا تبرز حقيقة رائعة تميط عن وجهها الوضاء لتقول في سمع الزمان: هؤلاء الذين أثنى الله عليهم من الصحابة قد استلموا المفاتيح التي أعطاها الله رسوله يوم الخندق، فكانوا نواباً عن رسولهم في ذلك، وقد ألزمهم الله كلمة التقوى، وكانوا أحق بها وأهلها، وبكلمة التقوى تم الفتح واتسعت دائرة التوحيد، إنهم استؤمنوا على حمل الرسالة والجهاد في سبيلها، فوفوا بما استؤمنوا عليه رضي الله عنهم ، وكيف لا وهم تلامذة الرسول الأعظم المربي الأفخم تخرجوا في مدرسته، فانطلقوا معلمين بما نهلوا من علوم الشريعة والتربية والقلوب.

كذلك قالت تلك الحقيقة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وقد قال ما قال يوم الخندق مما أطلعه الله عليه من الغيب، فظهر صدقه فيه بعد وفاته، وهذا ما شهد به الصحابة يوم نزل الوحي يرصد شهادتهم: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيمًا *} [الأحزاب: 33/22] .

أوقفت بعد هذا على بعض أسرار الآيات التي نزلت تغطي غزوة الأحزاب، وتمد الأجيال بنسغ الحقائق ما دامت دوحة الإسلام قائمة؟

الصفحات