كتاب " بصمة نبي وإعجاز مربِّ " ، تأليف الشيخ عبدالكريم تتَان ، والذي صدر عن
أنت هنا
قراءة كتاب بصمة نبي وإعجاز مربِّ
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مشهد هز ابن مسعود من الأعماق
هذا الذي رآه ابن مسعود من النبي عليه الصلاة والسلام هزه من أعماقه، إذ هو خارق ما رأى قبله مثله، وما سمع به، وقد شاء الله ألاَّ يكون الخارق غريباً عن بيئة ابن مسعود، ليكون آلف لنفسه، وأدعى إلى استجابته، وآنس له ليحسن الإقبال على من ظهر على يديه الخارق!! إن ما رآه من النبي أمسك بتلابيب نفسه، وهزه هزة استنبط من قاعها طاقات علمية رائعة، نهلت منها الأمة الإسلامية بعد ذلك على مر العصور، إذ تحول بهذه الهزة من راعي غنم لا طموح لديه سوى أن يشبع أغنامه التي يرعاها ولا يملكها، وليرضي ربها بذلك، إلى واحد من عمالقة رعاة الأمم الذين تربوا في أحضان النبوة، وتخرجوا فيها أساتذة تسنموا منابر التعليم والتربية والإنارة، وألقوا دروساً في سمع الزمان مازال يذكرها على مداه، دروساً في الفهم عن الله، وفي معرفة أسرار ما أنزل من وحي وبني من أحكام، وفي الإخلاص والصدق والأمانة والعدل، وغيرها الكثير مما تحتاج إليه البشرية في دنياها وأنشطتها البناءة.
إن بصمة الخارق العميقة لم تكن سوى البداية اللافتة إلى أهمية هذا الإنسان الذي اختاره الله تعالى وأيده، وإلى ضرورة الإقبال عليه يتعلم منه ما علمه الله، هي بصمة مثيرة للاهتمام، لكنها تستدعي أن تتجاوز إلى مرحلة البناء الجديد لهذه النفس التي عاشت في محيط جلدها المادي، وذلك يتطلب رغبة صادقة فيما لدى الرسول صلى الله عليه وسلم، وصدقاً في تحقيق تلك الرغبة.
مفتاح شخصية ابن مسعود الأمانة، والانبهار بعظمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد عرفته الأمة أميناً في خدمة الرسول، وفي طلب العلم منه، وفي تطبيقه، وفي نقله للآخرين على أنه دين ومسؤولية وأمانة، وفي محافظته على الرسالة التي أناطها الله برقاب الأمة رجالاً ونساء، كل بحسب ما أعطي من طاقات، تعلماً وتطبيقاً ودعوة، تصوراً وسلوكاً. وإذا كانت الأمانة في حق الرسل تعني العصمة، ذلك أنهم يبلغون منهج الله تعالى، ولسان حال كل رسول يصدح بـ {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ}، لذا لا يصدر عن أي رسول أي مخالفة لشرع الله، فهي في حق الأمة كلها بكل أبعادها ما خلا ما اختص به الأنبياء وحدهم من العصمة، أي: الأمانة بمعناها الخاص، ولكل مسلم؛ رجلاً كان أو امرأة، حظ وافر من معاني الأمانة، بل حظه من كل معانيها وفي كل ميادينها محقق ما خلا العصمة، إذ هي شأن الأنبياء.
أما أمانته في حسن التلقي والفهم والتمثل لما يتلقى، فمما يدل عليه ما قال حذيفة رضي الله عنه فيه لما سأله عبد الرحمن بن يزيد: أخبرنا برجل قريب السمت والهدي والدل من رسول الله حتى نلزمه، فقال: ما أعلم أحداً أقرب سمتاً ولا هدياً ولا دلاً من رسول الله حتى يواريه جدار بيته من ابن أم عبد! وفي رواية: من حين يخرج إلى أن يرجع، لا أدري ما يصنع في بيته، ولقد علم الكثيرون من أصحاب محمد عليه السلام أن عبد الله أقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة[25].