كتاب " تبيان الحدود بين تاريخ بني إسرءيل وتاريخ اليهودفي العصور القديمة " ، تأليف هشام أبو حاكمة ، والذي صدر عن
أنت هنا
قراءة كتاب تبيان الحدود بين تاريخ بني إسرءيل وتاريخ اليهودفي العصور القديمة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
تبيان الحدود بين تاريخ بني إسرءيل وتاريخ اليهودفي العصور القديمة
وغيرها من الآيات التي يدل تاريخ حدثها، على أنها تتحدث عن أقوام اسمهم اليهود في الفترة بين مجيء عيسى عليه السلام، ومحمد صلى الله عليه وسلم.
فكما نرى أن الاسم (بنو إسرءيل) قد استعمله الله تعالى حتى عهد المسيح عليه السلام، وهو آخر أنبياء بني إسرءيل. وبعد ذلك توارى بنو إسرءيل المؤمنون، وكثير من غير المؤمنين، عن مسرح التاريخ ليحل محلهم (اليهود) - وفيهم من هم من بني إسرءيل- وكانوا موجودين في عهد محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا من أشد أعدائه. ولكن هذا لا يمنع من وجود بقية باقية من بني إسرءيل حتى ذلك التاريخ، قد انعزلوا عن الناس، ولم يتدخلوا في شؤون أحد، ومنهم من أسلم كغيرهم فيما بعد.
وبنو إسرءيل أصلا كما هو متفق عليه عند جميع علماء التفسير، أنهم أبناء يعقوب عليه السلام، وسلالتهم من بعدهم. وهؤلاء كانوا في البداية على دين آبائهم وأجدادهم، وهذا ثابت في القرآن الكريم، وهذه الديانة هي الديانة التوحيدية، ديانة الله تعالى لجميع الأنبياء والرسل. أما لماذا يطلق عليهم البعض اسم (اليهود) فهذا مرده إما لجهل في الأصول التاريخية، أو لأمر ما في نفس من يدعي ذلك. ومما يزيد النفس ألماً، أن الكثير من مفسري القرآن الكريم عندما يفسرون الآيات التي قيلت في بني إسرءيل، وقبل عيسى عليه السلام، يطلقون على بني إسرءيل اسم اليهود أحيانا، مع أن هذا المسمى لم يكن موجودا في حينه.
فموسى عليه السلام، نبي بني إسرءيل، وليس اليهود.
والتوراة كتاب الله تعالى إلى موسى عليه السلام، ولبني إسرءيل، وليس لليهود.
ومسمى بني إسرءيل يختلف عن مسمى اليهود في القرآن الكريم.
وبنو إسرءيل منهم المؤمن، ومنهم من ارتد وكفر، وهذا ثابت أيضا في القرآن الكريم.
واليهود جميعهم كفار، وهذا ثابت في القرآن الكريم.
وبنو إسرءيل لهم أنبياء ورسل وهم كثيرون، وهذا ثابت في القرآن الكريم.
أما اليهود فلا أنبياء لهم، وهذا ثابت في القرآن الكريم.
والمؤمنون فقط من بني إسرءيل هم الموعودون بدخول الأرض المقدسة
أما اليهود فلكل وطنه من حيث جاء وغير ذلك.
فلماذا نخلط إذن بين تاريخ بني إسرءيل، وتاريخ اليهود؟؟؟
نحن لا ننكر أن بني إسرءيل قد ارتد بعضهم عن ديانة التوحيد إلى ديانة (اليهودية)، ولكن هذا لا يعطي الكاتب أو المؤرخ تبريرا، بأن يعتبر بني إسرءيل كلهم يهود، أو أن يعتبر اليهود كلهم من بني إسرءيل. فهذا خطأ شائع ليس له ما يؤيده لا دينيا، ولا تاريخيا.
حقا، لقد باتت الكتابة في تاريخ هذين الشعبين صعبة، وقد أُلِّفَ عنهما كثير من الكتب تم فيها الخلط بين تاريخيهما، على اعتبار أنهما (جنس واحد) و (شعب واحد) و (قوم واحد)، حتى (ودين واحد). حتى أصبحنا إذا ما تكلمنا عن أحدهما، كأننا نتكلم عن الآخر، وليس هذا بصحيح.
وإذا كان الله تعالى في كتابه العزيز، قد سمّى هؤلاء (بنـو إسرءيل)، وسمّى الآخرون أنفسهم (اليهود)، فإنني أرى أنه ليس من العدل والإنصاف أن نطلق على أي منهما مسمـى الآخر، حتى لا يختلط الحابل بالنابل، ونزداد ضياعا وشتاتا، بل أن الاكتفاء بما جاء به الله تعالى، أضمن وأسلم وأكثر صدقا وعدلا في التعاطي مع تاريخ هذه المسميات.
آمل أن أكون قد وفقت في هذا الكتاب في الفصل بين التاريخين، تاريخ بني إسرءيل، وتاريخ اليهود.
وما دمنا نفرق بين بني إسرءيل، وبين اليهود، ولما كان بنو إسرءيل المؤمنين يمنعهم إيمانهم على أن يقدموا على تزوير، أو إضافة، أو تبديل، أو تفسير خاطئ لبعض آيات القرآن الكريم، والحديث الشريف، فلا بد أن يكون من فعلوا ذلك بعضهم من بني إسرءيل غير المؤمنين، وهم على الأغلب يهود، إضافة إلى أجناس أخرى من اليهود. ولهذا فمن الأحوط والأصح أن نطلق على ذلك الفعل السيئ اسم (اليهوديات)، بدلا مما هو متعارف عليه باسم (الإسرائيليات).
وأيضا لو نظرنا إلى تاريخ شعوب المنطقة لوجدنا أن الشعوب التي كانت تعيش على هذه الأرض لم تعد موجودة، بل انقرضت، أو ذابت في الشعوب الأخرى، وليس هذا بغريب ولا عجيب، وقد حصل ذلك مع الكثير من الشعوب في جميع أنحاء الأرض. فليس عجيبا أن نقول أن (قوم) بني إسرءيل قد انقرض، أو ذاب في الشعوب الأخرى.
وشيء آخر أود الإشارة إليه، وهو أن إسماعيل عليه السلام يعتبر جد العرب. واسحق عليه السلام، وهو الأخ غير الشقيق لإسماعيل عليه السلام، يعتبر جد بني إسرءيل، والجد الأكبر للاثنين (العرب وبني إسرءيل) هو إبراهيم عليه السلام.
ولا ننسى أن العرب منهم المسلم، ومنهم غير المسلم. وكذلك الأمر بالنسبة للشعوب الأخرى. وبالتالي فإن إسماعيل وإبراهيم عليهما السلام، هما أجداد العرب، المسلمين والعرب غير المسلمين، ولكنهم ليسوا أجداد المسلمين كلهم.
وهكذا بالنسبة لبني إسرءيل، فإن اسحق وإبراهيم عليهما السلام هما أجداد بني إسرءيل سواء كانوا مؤمنين (موحدين أو آمنوا بالاسلام فيما بعد)، أو غير المؤمنين الذين ارتدوا وآمنوا باليهودية أو غيرها. ولكنهما بالتأكيد ليسا أجداد كل اليهود، لأن اليهود هم أتباع الديانة اليهودية، وهم خليط من جميع الأجناس والشعوب، ويخطأ من يعتقد بنقاء شعب بنـي إسرءيل، أو الشعب اليهودي، وقد ثبت ذلك تاريخيا وبدون أدنى شك. ولم توجد أمة يهودية متجانسة عرقيا على الإطلاق عبر التاريخ.
وزيادة في التوضيح والتوكيد نقول، أنه إذا كان سام بن نوح قد وُلِدَ له (العرب والفرس والرّوم) كما جاء في (ابن كثير، البداية والنهاية، ص 1/115، وابن الجوزي، المنتظم في تواريخ الملوك والأمم، ص 1/ 137)، وكما يقول ابن خلدون في موسوعته:”فأما سام –ابن نوح– فَمِنْ وَلَدِهِ العرب على اختلافهم، وإبراهيم وبنوه صلوات الله عليهم، باتفاق النَّسَّابين. والخلاف بينهم إنما هو في تفاريع ذلك أو في نسب غير العرب إلى سام. (ابن خلدون، موسوعة ابن خلدون، 3/12). وإذا كان إبراهيم العربي عليه السلام، وُلِدَ له إسماعيل وإسحق عليهما السلام، ومن إسحق وابنه يعقوب عليهما السلام، جاء بنو إسرءيل، فعليه يكون بنو إسرءيل وأبناءهم من أتباع الجنس العربي، وبصرف النظر عن نوع الديانة التي اتبعوها قديما وحديثا.
وأما بالنسبة لليهود، وأن هذا الاسم يطلق على كل من اتبع الديانة (اليهودية)، فهم ليسوا عرباً كلهم، إلا من اتبع الديانة اليهودية، وكان من أصول عربية، كبني إسرءيل مثلا، الذين اتبعوا الديانة اليهودية قديما، واستمر بعضهم على ذلك.
وعليه، فإننا سنتناول تاريخ بني إسرءيل، وتاريخ اليهود من هذا المنظور، وقد يكون من الصعب الفصل بينهما تاريخيا في إحدى مراحل التاريخ، ولكن لا بد من تجاوز تلك المرحلة حتى نستطيع أن نؤرخ لكل واحد منهما. ومن يدري، فلعل المستقبل يظهر لنا مزيدا من الأدلـة الآثارية، أو التاريخية، مما يساعدنا على رسم تاريخ أصدق ومحايد لكل منهما.
ونستطيع القول أن كُتَّابَ الغرب ومؤرخيهم بلا استثناء تقريبا، وكثيرون غيرهم، قد اعتبروا تاريخ بني إسرءيل القديم واليهود تاريخا واحدا، كما اعتمدوا في كثير من الأحيان على ما جاء في مرويات العهد القديم، وقد ثبت بالأدلة والبراهين القطعية، على أن أغلب المعلومات التاريخية التي وردت في هذا الكتاب، فيها كثير من الخطأ والاختلاق. وهم يعلمون ذلك، وما فعلوه إلا من أجل اختلاق تاريخ قديم كما يريدونه لبني إسرءيل واليهود، ومحو التاريخ القديم للشعوب الأخرى في المنطقة. ولو أن هؤلاء الكتاب والمؤرخين استرشدوا بما جاء في القرآن الكريم من معلومات حول هذا الموضوع، ووضعوا الحق نصب أعينهم، يقينا فإنهم سوف يغيرون رأيهم فيما كتبوه.
فوا عجبا لهؤلاء الذين يرددون تلك الروايات الخاطئة لأي سبب كان، فما لهم من عذر في ذلك، ولو أنهم فكروا قليلا لوصلوا إلى طريق الحق، طريق الصواب، والله يهدي من يشاء.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أننا لا نجد أية آثار، أو وثائق، أو تسجيلات مصرية، أو غيرها، استطاع علماء الآثار الحصول عليها حتى الآن، ولو وثيقة واحدة تدل على أن بني إسرءيل قد عاشوا في مصر ولو لفترة قصيرة، أو لخروجهم منها بقيادة موسى وهارون عليهما السلام. بينما هناك عشرات من الوثائق المصرية وغيرها، تروي كثيرا من الأمور الصغيرة التي ليس لها على مجريات الأحداث التاريخية شيء يذكر. وأما ما يدعيه البعض من وجود ذلك في نقش (مرنفتاح) فذاك أمر لا زال فيه جدال كبير، ولم يحسم موضوعه بعد. ولهذا فإننا نعتمد فيما نرويه من أحداث بشكل رئيس على ما نستنبطه من القرآن الكريم، خاصة ما يتعلق بالمراحل الأولى لتاريخ بني إسرءيل القديم، ويبقى ذلك لدينا هو الأساس، حتى يثبت لنا ما يمكننا أن نضيفه إلى ذلك التاريخ بما يدعمه، ولا يخالفه.
أنا لا أدعي أنني قد أودعت في هذا الكتاب كل تاريخ هذين الشعبين، ولكنني أقول هذا ما هداني الله إليه، ولعل الله يهديني ويهدي غيري مستقبلا إلى البحث أكثر فأكثر عن تاريخيهما. ونستطيع أن نقدم للقارئ ما يفيده ويقنعه في هذا التاريخ.
وفي الختام ليس لي إلا أن أقول إن ما كتبتُه هو ما توصّلتُ إليه في بحثي ودراستي لهذا الموضوع، ولست أدري فقد يجود علينا الزمان في المستقبل بمزيد من المعلومات والحقائق، والتي قد تُعدِّل وتُغيّر بعض معلومات هذا الكتاب، وليس ذلك على الله ببعيد، ونحن عليـه موافقون، وبه قائلون.
والله من وراء القصد.
عمان: نيسان 2014 م
هشام أبو حاكمة