كتاب " تبيان الحدود بين تاريخ بني إسرءيل وتاريخ اليهودفي العصور القديمة " ، تأليف هشام أبو حاكمة ، والذي صدر عن
أنت هنا
قراءة كتاب تبيان الحدود بين تاريخ بني إسرءيل وتاريخ اليهودفي العصور القديمة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
تبيان الحدود بين تاريخ بني إسرءيل وتاريخ اليهودفي العصور القديمة
الممالك الفلسطينية
انتشرت الممالك الفلسطينية على جميع أراضي فلسطين، في مرحلة متأخرة من عصر البرونز الأخير (1500–1200 ق. م.) حيث أن كل مدينة كانت تشكل مملكة خاصة بها، ولها حدودها، وإن كانت غير واضحة المعالم في كثير من الممالك. ولكل مملكة ملك يحكمها يتصف بقوته بين عشيرته، والغنى والحكمة أحيانا، وفي ممالك عديدة لم يكن هذا الملك من ذوي الأصول الفلسطينية، بل قد يكون فرعوني الأصل أو أشوري أو ميتاني أو حيثي، أو غير ذلك.
ومفهوم الملك في مدن الممالك الفلسطينية القديمة على الغالب لم يكن أكثر من شيخ قبيلة، وهو الأول بين عِلْية القوم، يحيط به مجموعة من الأغنياء، سواء من أصحاب النفوذ، أو الإقطاعيين أو التجار. وهذه الطبقة كانت تسمى (طبقة المريانو)، وكل غني يمكنه أن يصبح عضوا في هذه الطبقة، وكذلك كل من أنعم عليه الملك بهذا اللقب.
ثم يأتي بعد طبقة المريانو طبقة الصناع والفنيين، وبعض الحرفيين المقربين من طبقة المريانو. وفي أسفل الطبقات الاجتماعية كانت طبقة المزارعين الصغار، وعمال المزارع.
ولهذا يكفي أن يكون لك بيت تحيط به قطعة صغيرة من الأرض، عليها سور ولو من سيقان الأشجار، وعندك قليل من العبيد، حتى يقال عنك أنك ملك. ونرى ذلك واضحا في الآية القرآنية التي تقول:”وَإذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَومِ اذْكُرُوا نِعْمةََ اللهِ عليكُمْ إذْ جَعلَ فيكُم أنبياءَ وَجَعلكُمْ مُلوُكاً وَآتاكُم...” سورة المائدة، الآية 20، فأين هم ملوك بني إسرءيل في عهد موسى عليه السلام، ومن قبله؟ حتى الأنبياء منهم لم تكن لهم ممالك كغيرهم من الملوك.
أما باقي سكان المملكة المدينة، فكان أغلبهم يعمل جنديا في جيش الملك الصغير، أو فلاحا في مزارع الإقطاعيين. وقليل من السكان من كان يملك أرضا صغيرة المساحة لا تكاد تعطيه قوت يومه، أو له حرفة يعيش من ورائهـا.”وقد عثر على قوائم تفصيلية على أصحاب حرف من بينهم: جنود محترفون، وعمال بناء، وصناع ونحاتون، ودباغي جلود، وصناع خزف، وخياطون، وجباسون، وصيادلة وحطابون، وسقاؤون، وغيرهم كثير، كانوا منتظمين فيما يشبه نقابات مهنية بحيث تنتقل الخبرات المهنية بالوراثة داخل الأسرة الواحدة.”(مالمات، العبرانيون وبنو إسرائيل في العصور القديمة، ص 74). وبعض ممالك المدن كانت تحاط بسور، تقام عليه إجراءات أمنية حسب إمكانيات المملكة المادية. ولا ننسى أن بعض هذه الممالك كان يعيش على سلب القوافل التجارية، التي تمر من أراضيها، أو تفرض عليها رسوما وهي متجهة إلى مملكة أخرى.
وخارج هذه الطبقات كانت تعيش طبقة منبوذة خارجة عن المجتمع الكنعاني، بل ومعادية له في كثير من الأحيان، وهذه الطبقة كانت تسمى (العَبيرُو أو الخَبيرُو أو الهَبيرُوHapiru , Habiru , Apiru) وكانوا يعيشون على السلب والنهب وقطع الطرق، وخدمة بعض ملوك المدن في تنفيذ اعتداءاتهم على الممالك الأخرى، ويظهر ذلك واضحا في رسائل العمارنة.
وهناك من يذهب إلى القول بأن (العبيرو) هم بنو إسرءيل، نظرا لتشابـه المصطلحيـن (العبيرو) و (العبريون)، ولكن هذا المصطلح (العبريون) لم يكن معروفا، ولم يطلق على بني إسرءيل رسميا في أي مرحلة من مراحل التاريخ القديم، ويكفي أنه لم يذكر مطلقا في القرآن الكريم ولو مرة واحدة. كذلك فإن مصطلح (العبريون) والذي يقول البعض أنه مشتق من اسـم اللغـة (العِبْرية)، والتي تكلم بها بعض (اليهود) بعد القرن الخامس قبل الميلاد، لم تكن هذه اللغة معروفة في الوقت الذي ظهرت فيه هذه الجماعات. ولا شك أن من يزعم ذلك إنما يهدف من وراء هذا الادعاء، إلى القول بأن (اليهود) كانوا موجودين في المنطقة في تلك الفترة، ولهم حضورهم التاريخي، وهذا لم يثبت قط. وأن ورود هذا المصطلح في بعض الأسفار الأولى من العهـد القديم، ليس دليلا كافيا على أن هذا المسمى كان معروفا ومتبعا في ذلك العصر، وخصوصا إذا ما عرفنا أن هذه الأسفار قد كتبت بعد ذلك التاريخ بعدة قرون.
كما ذهب بعضهم إلى القول أن (العبيرو) هم الفلسطينيون. وهذا أيضا لا يوجد له ما يؤيده تاريخيا أو آثاريا. علما بأن (العبيرو) لا جنس محدد لهم، إذ يكفي أن تجتمع مجموعة من الناس تمارس النهب والسرقة وقطع الطريق، حتى يطلق عليها هذا الاسم. كما أنه لا يوجد لهم مكان محدد، ولا قائد واحد، وربما أيضا لم يكونوا يعبدون إلها واحدا، في حين أن كل المعطيات التاريخية والآثارية تدل على أن الفلسطينيين كانوا شعبا متحضرا، لهم مدنهم وقراهم ومراكزهم وملوكهم المعروفين عند علماء التاريخ والآثار.
ونظرا لعدم وجود حكومات مركزية قوية، فإن مثل هذه المجموعات الخارجة عن القانون والعرف والتقاليد، كانت نشطة وفعالة في القرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد، مما جعل كثيرا من الناس يهربون ويلجئون إلى الكهوف والغابات للاحتماء بها.