كتاب " تبيان الحدود بين تاريخ بني إسرءيل وتاريخ اليهودفي العصور القديمة " ، تأليف هشام أبو حاكمة ، والذي صدر عن
أنت هنا
قراءة كتاب تبيان الحدود بين تاريخ بني إسرءيل وتاريخ اليهودفي العصور القديمة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
تبيان الحدود بين تاريخ بني إسرءيل وتاريخ اليهودفي العصور القديمة
وحينما كان الفراعنة يرسلون حاكما لإحدى المدن الفلسطينية، أو موظفا في مهمة خاصة، كانوا يشيرون إلى ذلك باسم المدينة، وليس باسم المقاطعة، نظرا لأن فلسطين لم تكن مقسمة إلى مقاطعات في حينه. فكانوا يقولون: حاكم غزة، حاكم أراد، حاكم بيت شان، وهكذا. وإذا ما تم إرسال (رسول) للقيام بمهمة ما، فإن هذا الرسول كان يُعْطَى صلاحيات واسعة، فله حرية جمع وحمل الضرائب، والبت في قضايا قانونية، وإلقاء القبض على من يريد، وفض النزاعات الحدودية بين المدن، وغيرها من الصلاحيات الواسعة. وقد تحدث ردفورد Redford عن صفات هذا الرسول، فقال في هذا السياق:
“نستطيع أن نلقي نظرة ثاقبة ومفصلة عن مؤهلات الرسول من هذا النوع، فرسول الملك لا بد أن يكون: كاتبا متّقى، يصلح لكل مهمة، سائق مركبة ممتاز، ورامي سهام ممتاز، ولا بد له بشكل خاص من معرفة جيدة بجغرافية كنعان، وطبيعة طرقاتها ونقاط التوقف لقضاء الليل فيها.”(ردفورد، مصر وكنعان وإسرائيل في التاريخ القديم، ص 176).
ويلاحظ أن مصر في جميع مراحل احتلالها لأرض كنعان، لم تمارس عمليات التهجير الجماعي لسكان المناطق التي كانت تحتلها، كتلك التي اتبعتها الدولة الأشورية، والدولة البابلية فيما بعد. ومع هذا فإن التاريخ القديم يحدثنا عن بعض عمليات التهجير التي قام بها حكام مصر القدماء، فقد:
“نقل تحتمس الثالث (1501-1447 ق. م.) ما مقداره 7300، بينما اقتلع ابنه امينوفيس الثاني ما ينوف عن 89600 من جذورهم. ويلمح تحتمس الرابع (...ق. م. ) إلى نقل سكان (جزير) الكنعانيين بالقوة إلى طيبة، بينما يتحدث ابنه أمينوفيس الثالث عن معبد مدفنه في طيبة باعتباره يغص بالعبيد الذكور والإناث، من أبناء زعماء كل بلدان الأسر الأجنبية التابعة لجلالته – عددهم غير معروف -.”(ردفورد، مصر وفلسطين وإسرائيل في التاريخ القديم، ص 182).
صحيح أن الدولة المصرية، لم تمارس التهجير السكاني الكبير المخطط له طول فترة احتلالها لهذه المنطقة، كما مارسته الدولة الأشورية، والدولة البابلية مثلا، إلا أن الفراعنة كانوا يختارون أفرادا صغارا من الفلسطينيين ويأخذونهم إلى مصر، وهناك يربونهم تربية فرعونية، وقد يعيدون بعضهم حكاما على بعض مناطق فلسطين، فيكونون لهم ولاة مخلصين مطيعين فيما بعد.
ويظهر ذلك جليا في رسائل العمارنة التي يعود تاريخها إلى أواسط القرن الرابع عشر قبل الميلاد، والتي جرت بين الفرعون أمينوفيس (أمنحوتب الرابع 1375 – 1350 ق. م.) والذي تلقب باسم (أخناتون). ففي الرسالة التي تحمل رقم (180 EA ) من هذه الرسائل جاء فيهـا:”لقد أرسلت ابني للملك، سيدي، إلهي، شمسي". كما جاء في الرسالة رقـم (187 EA) ما نصه:”اشهدوا، لقد أرسلت ابنتي إلى القصر، للملك، سيدي، إلهي، شمسي.”
كما يقول أرخاتو القميدي في الرسالة رقم (198 EA) يقول:”لقد أرسلت ابني إلى حضرة الملك سيدي، لعل الملك، سيدي، يمنحني الحياة.” وفي هذه السياسة المصرية الفرعونية يقول تحتمس الثالث (1490–1436 ق. م.):”أحضر أبناء الزعماء وإخوتهم إلى مصر كرهائن، وبالنسبة لأي زعيم من هؤلاء يموت، فإن جلالته سيولي منصبه لابنه.”(رد فورد، مصر وكنعان وفلسطين في التاريخ القديم. ص 173).
وهؤلاء الذين كانوا يرسلون إلى مصر من أبناء وبنات وإخوان وأقارب ملوك المدن، كانوا يعيشون في مصر في القصور الفرعونية، يتعلمون اللغة والأخلاق المصرية، والأحكام والشرائع المصرية، والثقافة المصرية، وكل ما هو مصري، حتى التدريب على السلاح، وأساليب القتال المصرية، وكثير من هؤلاء كانوا يبعثون إلى مصر صغارا، ويعودون إلى ممالكهم كبارا، وقد أصبحوا مثلهم كالمصريين تماما. يقول بختيري الغزاوي فـي الرسالـة رقـم (296 EA):”حين كنت صغيرا أخذني (المفوض المصري) إلى مصر، فخدمت الملك، سيدي ووضعت في بوابة الملك سيدي.”