كتاب " تبيان الحدود بين تاريخ بني إسرءيل وتاريخ اليهودفي العصور القديمة " ، تأليف هشام أبو حاكمة ، والذي صدر عن
أنت هنا
قراءة كتاب تبيان الحدود بين تاريخ بني إسرءيل وتاريخ اليهودفي العصور القديمة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
تبيان الحدود بين تاريخ بني إسرءيل وتاريخ اليهودفي العصور القديمة
وأما في نهاية عصر البرونز الأخير أي حوالي 1300–1200 ق. م. فقد كانت الدولتان المصرية والحيثية هما اللتان تسيطران على المنطقة بكاملها. فقد كانت الدولة المصرية، وخاصة في عهد رمسيس الثاني (1292–1225 ق.م.) تسيطر على كنعان، وجنوب غرب سورية، وفينيقيا (لبنان الحالي)، بالإضافة إلى أرض النوبة في جنوب مصر، وليبيا في غربها. وكان التجار المصريون دائمي الحركة والتنقل بين هذه المناطق، وغيرها. وكانت الدولة المصرية في تلك الفترة في أوج عظمتها وحضارتها.
أما الدولة الحيثية ومركزها الأناضول في شمال سورية، وعاصمتها (حاتوشا Hattusha) شرق أنقرة التركية الحالية، فقد كانت هذه الدولة تسيطر على آسيا الصغرى، وشمال سورية، وكانوا أصحاب علم وحكمة وحرب. ونظرا لتداخل الحدود المصرية الحيثية في سورية، فقد وقعت بينهما عدة حروب كان أشهرها معركة (قادش Qadesh) حوالي سنة 1288 ق. م.، حيث وقعت في السنة الخامسة لحكم رمسيس الثاني (1292-1225 ق. م.)، على نهر العاصي غرب سورية. وكان المصريون بقيادة رمسيس الثاني، والحيثيون بقيادة ملكهم مواطاليس Muatallis، وحسب السجلات التاريخية فإن النصر لم يكن حليف أحدهما، حيث انتهت الحرب بدون نصر لأي منهما على الآخر. وبعد ذلك عقد الطرفان، ملك الحيثيين الجديد حاتوسيليس الثالث Hattusilis III، وفرعون مصر رمسيس الثاني معاهدة سلام، تزوج على أثرها كما تقول بعض الروايات التاريخية، رمسيس الثاني من أميرة حيثية.
وعاشت المنطقة بكاملها بعد ذلك في فترة هدوء نسبي، وأصبحت الطريق آمنة من النيل إلى البحر الأسود، ومن الفرات إلى بحر إيجة، مما ساعد على ازدهار التجارة الدولية أكثر من أي عهد مضى.
ولكن هذا الهدوء كان يحمل في طياته سحب حرب قادمة، لا تبقي ولا تذر، تغيرت على أثرها الصورة السياسية التي كانت سائدة في المنطقة.
فبعد انتهاء عصر البرونز الأخير، وبداية عصر الحديد الأول (1200–950 ق. م.) بدأت المنطقة تتعرض لغزوات تشنها مجموعات غامضة وعنيفة، أطلق المصريون عليها مجموعات (شعوب البحر)، وكان تأثيرها على المنطقة كما قال المؤرخون أكثر من أي حدث وقع قبل ذلك، وخاصة تأثيرها على سورية وفلسطين.
وحتى الآن لم يتفق العلماء والمؤرخون على سبب رئيس مباشر لهذه الهجرة الجماعية الغامضة لشعوب البحر. وقد تكون الحالة الاقتصادية السيئة التي عانت منها شعوب البحر القادمة من العالم المسيني، بسبب تغير مناخي مفاجئ، قضى على المحاصيل الزراعية، وسبّب مجاعة واسعة الانتشار، أدت إلى هذه الهجرة الجماعية.
ومنهم من رأى أن سبب ذلك هو الانهيار السياسي لدول تلك المنطقة، مما أوقعها في فوضى سياسية، ومشاكل اجتماعية خطيرة، أدت إلى حدوث تلك الهجرات الجماعية هربا من ذلك الواقع المرير.
وهناك من يذهب إلى القول أن زلازل وبراكين أوقعت الدمار والخراب والخوف في ميسينا والمناطق المجاورة لها، مما جعل أصحاب هذه المناطق يهجرونها، متجهين نحو الشرق.
وأيا كان السبب، فقد كانت هجرة شعوب البحر، ولكننا نشك أنهم كانوا بتلك القوة التي وصفوا بها. وقد ضم اتحاد شعوب البحر خمسة شعوب رئيسة هي (الشيكليشShekelesh، والدنّونا Denyen، والشّردن Shardan، والوشن (الوشوش) Weshesh، والبيلست Pelest). وكانت قد وصلت قبلهم مجموعة أخرى هـي مجموعـة (التجكر Tjeker ) واستوطنت في (دور Dor ) جنوب حيفا الحالية في فلسطين.
وقد استطاعت جماعات شعوب البحر في طريقها أن تدمر وتقضي على بعض الممالك والمناطق التي مرت بها، ومنها المملكة الحيثية، وجزيرة قبرص (آلاشيا Alashiya)، وبعض الممالك السورية، ومنها مملكة أوغاريت، ومملكة الآلاخ، وغيرها.
واستمرت في تقدمها تريد مصر، ولكن رمسيس الثالث (1198-1167 ق. م.) استطاع بقواته المصرية وقف تقدم هذه الشعوب، بعد معركة طاحنة معها حوالي سنة 1175 ق. م.، ولو أن الموقع الدقيق للمعركة لم يعرف حتى الآن، ولكن من المتفق عليه أن المعركة حصلت خارج حدود مصر، وعلى أثر هزيمة هذه الشعوب تفرقت في أرض سورية وفلسطين.