أنت هنا

قراءة كتاب الثقافة والمجتمع

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الثقافة والمجتمع

الثقافة والمجتمع

كتاب " الثقافة والمجتمع " ، تأليف د. سمير إبراهيم حسن و تقديم أ.د خضر زكريا ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4

ويعالج المؤلف في الفصل الثالث العلاقة بين الثقافة والتنشئة الاجتماعية، حيث يبحث في مفهوم التنشئة الاجتماعية ومراحلها وأهدافها ودور الدين والأسرة والمؤسسات الاجتماعية الأخرى فيها، كما يبين دينامية التنشئة الاجتماعية خلال عملية التغير الاجتماعي ودورها في التنمية، ويتعرض للعلاقات بين الأجيال، فيبين عوامل صراعها وإمكانيات تكاملها... إلى غير ذلك من المسائل الهامة في هذا السياق. وهو في كل هذا لا يكتفي بما قيل أو كتب حول الموضوع بل يدلي بدلوه دائماً موضحاً آراءه الخاصة.

فهو يشير مثلاً إلى أهمية التربية الدينية، ولكنه يحذر في الوقت نفسه من "الجهل بتعاليم الدين وتحوله إلى المحافظة والتعصب ورفض الآخر وإعاقة التجديد". وفي موضوع صراع الأجيال يرى أن بالإمكان توجيه هذا الصراع بالعمل على مستويين: " المستوى الأول هو مجال التنشئة الاجتماعية في التربية والتعليم والإعلام والسياسة والثقافة، وإعادة النظر بفلسفتها ومفاهيمها وأهدافها المعرفية والسلوكية، والتنسيق بين وسائلها (الأسرة، المدرسة، المنظمات، التلفاز..) بحيث تستوعب الأفكار والمفاهيم الجديدة بشكل بناء... والمستوى الثاني يتصل بضرورة استيعاب طاقات الأجيال الجديدة وتوجهاتها وميولها من خلال زجها في أعمال مسؤولة مادياً وفكرياً وسياسياً...إلخ ومشاركتها في صنع القرارات بدءاً من قرارات الأسرة ومؤسسة العمل وانتهاءً بالقرارات الاجتماعية الكبيرة. ومشاركة الشباب في إنتاج المعرفة والثقافة وبناء علاقة إيجابية فعالة ومبادرة لهم في ثقافة المجتمع وعدم عدِّهم مجرد موضوع عمل وتلقي".

والواقع أن الكتاب يذخر بمثل هذه النصوص التي تدل على شخصية المؤلف المستقلة وآرائه التقدمية المستنيرة. "لقد تغيرنا عن آبائنا ولم تحدث الكارثة، بل وتقدم المجتمع أكثر، وسيتغير أبناؤنا عنا مهما كانت معاندتنا وتمسكنا بتقاليد اعتدنا عليها، فهذه التقاليد ليست أزلية، بل لابد من أن تتغير وتتعدل، لتتوافق مع تقدم الحياة ومتطلباتها التي لم نألفها نحن الآباء. وليست معارضة الأجيال القديمة للأجيال الجديدة سوى معاندة للتاريخ وللتغيير الذي حدث وسيحدث وهو يحدث مع الأجيال الجديدة وبواسطتها..".

ويعرض المؤلف في نهاية الفصل نتائج دراسة ميدانية لأساليب التنشئة الاجتماعية عند أسر إحدى المناطق الريفية السورية. وقد لا يُعد عرض النتائج بمثل هذا التفصيل (الجداول والأشكال) في كتاب عن الثقافة والمجتمع أمراً شائعاً، ولكنني وجدتها وسيلة مناسبة (مباشرة وعملية) لإيصال فكرة المؤلف حول العلاقة بين الثقافة والتنشئة الاجتماعية.

أما أهم فصول الكتاب وأكثرها ارتباطاً بالواقع الاجتماعي للبلدان العربية فهو الفصل الرابع الذي يبحث في العلاقة بين الثقافة والتنمية. هنا يتعرض المؤلف لعدد من القضايا الثقافية المؤثرة في عمليات التنمية مثل ثقافة العمل، وثقافة المواطنة، والثقافة المؤسساتية، وثقافة الحرية والديمقراطية.

ففي موضوع ثقافة العمل يحلل المؤلف النزعة الاستهلاكية السائدة في مجتمعاتنا، ويبين السلبيات المترتبة على الاعتماد الزائد على الدولة في ثقافة العمل في بلداننا، داعياً إلى ثقافة جديدة للعمل تدفع الفرد لاحترام كل أنواع العمل، وللاعتماد على الذات، والحد من الهدر...

وترتبط بهذا ثقافة المواطنة التي تقوم على أولوية الانتماء للوطن (الدولة، الأمة) على جميع الانتماءات الأخرى (العائلية والعشائرية والقبلية والمذهبية والطائفية وغيرها) . والمواطنة "علاقة اجتماعية تقوم بين الأفراد والمجتمع السياسي (الدولة)، بحيث تقدم الدولة الحماية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للأفراد، عن طريق القانون والدستور الذي يساوي بين الأفراد بوصفها كيانات بشرية طبيعية، ويقدم الأفراد الولاء للدولة ويلجؤون إلى قانونها لحماية مصالحهم والحصول على حقوقهم". إن المواطنة بهذا المعنى هي التي يجب أن تكون أساس ثقافة المجتمع الحديث. أما عندما لا تتحقق شروط المواطنة فيتساءل المؤلف:

- ماذا يفعل المواطن الذي يتقدم لمسابقة انتقاء عمال أو موظفين حين يقبل الأقل كفاءة؟ بماذا سيشعر؟ وبمن يحتمي؟ وإلى من يلجأ؟

- ماذا يفعل أبناء المنطقة الإقليمية من الوطن عندما يشعرون بالغبن من الخدمات المقدمة لهم مقارنة بمناطق أخرى؟

- ما شعور المهاجرين إلى ضواحي المدن الكبرى وأطواق الفقر عندما لا يجدون العمل ولا يتمتعون بالخدمات التي يتمتع بها مواطنوهم من المدينة نفسها؟

- بماذا سيشعر المثقف الحر النابه الناقد المتوقد الذهن الواسع الأفق عندما يرى المدعين وأنصاف المثقفين ـ أنصاف الجهلة ـ هم الأعلون؟

إلى غير ذلك من التساؤلات التي تشير إلى معاناة المواطنين في معظم بلداننا العربية من غياب ثقافة المواطنة سواء عند المسؤولين في الدولة أو عند المواطنين أنفسهم.

وثقافة المواطنة بالمعنى الحديث ترتبط أيضاً بالثقافة المؤسساتية التي تشير إلى مجموعة من المفاهيم والقيم والاتجاهات والحقوق والواجبات التي يتعامل بها العاملون في مؤسسة محددة بما يشكل منظومة معيارية يسترشد بها العاملون، فتحدد قواعد سلوكهم الوظيفي وكيفية تعاملهم في البيئة الداخلية للمؤسسة ومع المتعاملين معها من المواطنين. وثقافة المؤسسة سابقة في وجودها على الأفراد الذين ينتمون إليها وتفرض نفسها عليهم وتبقى بعدهم.

ولا شك في أن الثقافة المؤسساتية تشكل أحد أهم روافع التنمية والتحديث والتقدم. ولعل الإلحاح على ذلك في البلدان العربية ناجم عن تفاقم الانحراف والفساد الإداري الناجم عن عدم الالتزام بالمعايير والأهداف التنموية التي تضعها مؤسسة أو حكومة لنفسها. لكن نشر الثقافة المؤسساتية لا يعني، في نظر المؤلف، "إعلان الحرب على العلاقات التقليدية، بل استيعابها وتطويعها لمقتضيات العمل التاريخي الاقتصادي والسياسي المعاصر..." كما لا يعني " انقطاع الصلة بين التكوينات الثقافية للمجتمع التقليدي وتلك التي للمجتمع الحديث... وعلى الأخص في مجتمعنا العربي الذي يملك إرثاً حضارياً متميزاً". إذ من السهل إدخال مؤسسات جديدة على مجتمع ما ولكن من الصعب تغيير بنى المجتمع التقليدية العميقة الجذور، فتحول البنيات والمعتقدات والسلوكات والقيم والاتجاهات يقتضي نفساً طويلاً.

والخطر على المؤسسة لا يأتي بالدرجة الأولى مما هو تقليدي بل "عندما يعتقد المدير التكنوقراطي أو المستشار المختص أن عليه لكي يحافظ على وظيفته وحظوته لدى السياسي أن يقدم له ما يناسب مزاجه أو ما يرغب أن يكون". وهنا يفرد المؤلف فقرة خاصة حول العلاقة بين التنظيم المؤسسي والبيروقراطية، مبيناً المقاربات المختلفة للبيروقراطية من حيث إنها ضرورية للتنظيم المؤسسي من جهة، وتشكل خطراً على التجديد والإبداع فيها من جهة ثانية.

وفي نهاية هذه الفقرة يقترح المؤلف منهجية علمية لدراسات ميدانية لابد منها كخطوة أولى لتفعيل عمل المؤسسات، وتطوير الفكر المؤسساتي، وترسيخ السلوك المنسجم مع هذا الفكر، حيث يتم رصد المكونات البشرية والتنظيمية والمادية للمؤسسات، ورصد أشكال التفاعل بين تلك المكونات وتحليلها، ومدى اتفاق ذلك التفاعل مع أهداف المؤسسة، وتأثيره على أدائها لوظائفها، وعلى آليات اتخاذ القرار فيها، وكذلك دراسة أخلاقيات العاملين وميولهم العملية والاجتماعية، ومدى شعورهم بالانتماء للمؤسسة، والتزامهم برسالتها وأهدافها وخططها المستقبلية...

الفقرة الأخيرة في هذا الفصل الهام تتعلق بثقافة الحرية والديمقراطية ، حيث يبحث المؤلف في مفهوم الحرية ومضمونها وأشكال تجلياتها في الأمكنة والأزمنة المختلفة، ويرى أن ثقافة الديمقراطية تعد تجسيداً لمبدأ الحرية، ولكن لا يمكن في رأيه "تطبيق نموذج جاهز وناجز للديمقراطية، فالديمقراطية حالة بناء تدريجي، وموضوع عمل اجتماعي اقتصادي وسياسي وثقافي وتربوي مستمر". وهو يربط إمكانية تحقيق الديمقراطية بالخيارات الحرة "للمواطن الواعي الحر"، وهو "المواطن المتحرر من الفقر والجهل والمرض والاستغلال والخوف والتعصب العرقي أو الطائفي".

هنا لابد من الإشارة إلى أن هذا الشعار قد يستغل ،وقد استغل فعلاً، لتبرير الاستبداد وقمع الحريات. وقد تكون الديمقراطية شرطاً أساسياً من شروط التحرر من الفقر والجهل والاستغلال...إلخ. والواقع أن المؤلف يشير إلى مثل هذا التحفظ في بعض المواضع، لكنه يعود للتأكيد على أن "الميدان الفعال للعمل الديمقراطي هو الشغل على تهيئة هذه الشروط الموضوعية أولاً (يقصد التركيز على المتطلبات والحقوق الاقتصادية والاجتماعية كحق التعليم والصحة والعمل والعيش الكريم...) والتي بدورها تخلق العوامل الذاتية المتمثلة في الارتقاء بوعي الأفراد والجماعات وقدرتهم على وعي مصالحهم والاختيار الحر على أساسها". والسؤال هنا: لماذا أولاً؟ أليست قدرة الأفراد والجماعات على وعي مصالحها والمشاركة في صنع مصائرها بحرية أحد أهم شروط تحقيق تلك المصالح، أي الحصول على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية؟ أليس غياب الديمقراطية أحد أهم عوامل الفساد، وتهريب الأموال للخارج، وعقد الصفقات المشبوهة، والإثراء الأسطوري السريع لقلة قليلة، وبالتالي حرمان الناس من التمتع بثروات أوطانها والعيش فيها "عيشاً كريماً"؟.

ويتصل بهذا الموقف حديث المؤلف عن "مطلب الاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية والأمن الاجتماعي" الذي يشكل هاجساً عميقاً لدى الأنظمة السياسية التي ظلت معتمدة على مركزية الدولة فترة طويلة، وعائقاً أمام تطبيق الأفكار الداعية إلى الديمقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان...إلخ . وتشي تساؤلاته (التي يطرحها على لسان الأنظمة السياسية المذكورة) بخشيته من أن الاستجابة لمطالب وضروراته المجتمع المدني الحر المستقل عن سلطة الدولة، قد تؤدي إلى توليد العصبيات والانقسامات، وأن يكون لذلك عواقب ضارة على الاندماج الاجتماعي والوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي للدولة والمجتمع... لكنه يتحفظ بعد ذلك قائلاً إن مثل هذه التساؤلات والإشكالات "يمكن، أو هي قيد الاستخدام مبررات للتملص من التغيير الضروري والاستجابة السريعة لمتطلبات الحرية والديمقراطية، رغم كل ما قد يكتنف ذلك من إشكالات".

تطبيق الديمقراطية، والعمل على تطوير المجتمع المدني، ومراعاة حقوق الإنسان... لا يولد - في رأيي - العصبيات والانقسامات وغيرها. هو قد يرفع الغطاء عنها ، لكنه لا يولدها. على العكس من ذلك، أعتقد أن المجتمع المدني الحر المستقل عن سلطة الدولة، والحياة الديمقراطية القائمة على المشاركة الفعلية في صنع القرار، والتعددية الفكرية والسياسية، والتداول السلمي للسلطة، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان...هي التي تؤدي - وإن في نهاية المطاف، وإن عبر الصعوبات والإشكالات التي ذكرت - إلى الوحدة الوطنية الحقيقية والاستقرار السياسي المنشود والأمن الاجتماعي المؤسس لا على القمع والخوف، بل على القبول الحر بالنظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي يشارك الجميع في إعداده.

الصفحات