يُعدّ كتاب "هكذا تكلم زرادشت" أ
أنت هنا
قراءة كتاب هكذا تكلم زرادشت - للمجتمع لا للفرد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
يقسم العلماء حياة نيتشه إلى ثلاثة أقسام:
1- مرحلة الميتافيزيقيا: وهي مرحلة كان مؤمنا بالوجود الميتافيزيقي وهو الأمر الواضح في كتابة «ميلاد التراجيديا».
2- مرحلة إنكار الميتافيزيقيا: وتبدأ بكتابة «إنساني.. إنساني جدا».
3- مرحلة النضج: وفيها أفضل كتبه وأشهرها «هكذا تكلم زرادشت».
الجدير بالذكر أن نيتشه كان شاعرا وأستاذا في فقه اللغة، فعملية فهمه صعبة جدا ومرتبطة كل الارتباط بحياته وتسلسل كتبه. بالإضافة إلى أنه كان موسيقارا.
عندما كان فتى في الرابعة عشرة من عمره، كان نيتشه يفكر بغير الطريقة التي كان يفكر بها بقية الصبية، وكان يسأل نفسه أسئلة مبكرة بالنسبة لعمره.
وما يميز حياة نيتشه هو أن فكره كان يوجهه فرأي أحد أصدقائه عن احد كتبه أو إهماله كان يكلفه صداقته، وكما يقول عبد الرحمن بدوي «كان كل كتاب جديد من كتبه يكلفه صديقا وقطع صلة».
لقد كان وحيدا دائما، لم يتزوج ولم تكن له عشيقة، كان مريضا بمرض عضال بسبب اتصاله مع إحدى البغايا عندما كان طالبا ولم يتصل مع أي امرأة أخرى. وكان في كل مرة يتقرب فيها لامرأة ترفضه.
وكانت سنة 1886 سنة حزن لنيتشه، فقد فارقته أخته إلى الباراغواي وفارقته تلميذته لو سالومي بعد رفضها له وزواجها بتشارلز أندرياس.
درس نيتشه اللاهوت وكان أبواه من عائلة بروتستانتية متدينة إلا أن نزعته الدينية تحولت إلى «رغبة في الحقيقة مهما كلف الأمر» كان محبا للإنسان وللحياة وكل ما وجده في المسيحية هو فقط الحط من الحياة التي يحبها فأسلم نفسه لتفكيره وتطرف فيه حتى آمن بموت الإله المسيحي، ولشدة كرهه للمسيحية رفض بعدها فكرة بقية الآلهة وأماتها عقله.
وكما يقول كولن ولسون «كانت طبيعته التي يحيرها فكره هي مصدر متاعبه». فتفكيره لا يقف عند أي حدود، ويكسر حواجز الغموض في البحث عن الحقيقة، مثلما اخبرنا «رغبة في الحقيقة مهما كلف الأمر» وهي التي لم يعرف كيف يسيطر على عبثيتها فأدت في جزء كبير منها إلى جنونه.
لقد كان نيتشه يعتبر نفسه وحيدا منذ طفولته المبكرة، ففي أواخر الثمانينات من القرن التاسع عشر - أي قبيل جنونه - بدأ يكتب رسائله نحو أوفريك يصف فيها وحدته.
فيقول «إني أشتاق إلى الكائنات البشرية وأبحث عنهم، ولكنني دائما أجد نفسي فقط، مع أنني لم أشتق إلى نفسي. لم يعد يأتي أحد إلي، ولقد ذهبت إليهم جميعا ولم أجد أحدا».
وقد أدت وحدته إلى حالة قريبة من اليأس فقال في رسالة أخرى «الآن لم يعد أحد يحبني، فكيف أستمر في حبي للحياة؟!».
«حتى الضوضاء تكون عزاء بالنسبة للإنسان الوحيد».
لقد بالغ نيتشه كثيرا في وضع حدود لصداقاته، فإن لم يوافق أصدقاءه فكرهٌ أو توجهه تركهم بلا اكتراث، وعندما احتاج لصديق في آخر عمره لم يجد إلا أوفريك الذي لم يكن كافيا أبدا ولم ينقذه من الهاوية، لبعد المسافة عنه. وحتى جاست الذي كان معه جنبا لجنب لم يكن في النهاية سوى تلميذ تابع لمعلمه.
لقد بحث نيتشه عن أناس يساعدونه في إيجاد ذاته، والمشكلة أن ما تحتاجه ذاته كان غريبا عن مجتمعه وعصره، ولم يسعه أن يفعل شيئا لها.
لقد نبذ بداية الصداقات غير النافعة، وهو توجه صحيح، إلا أنه بدأ بعدها برفض كل صداقة بل وعادى أصدقاءه «ترى ما الفائدة التي قدمها لنا أصدقاؤنا فكريا؟!»
لقد ذكر كولن ولسن في حديثه عن وليام بلايك بأن زوجته كانت تملأ حياته، وكانت تؤمن به وبعظمته، ولو وجد نيتشه امرأة تؤمن به حتى النهاية لأنقذته من الجنون.
وهذا صحيح.. فعادة يعمل العقل بطريقة غير تقليدية عندما تكون وحيدا لفترة طويلة.. فكيف إذا كان صاحب هذا العقل نيتشه؟ الذي لم يجفل من تجاوز الحدود وعاش طفولته في وحدة.
نسي نيتشه كيف يصبح إنسانا، ولم يقدر على مساعدته أحد، وحتى لو سالومي التي كانت أكثر الناس قربا لهذه المهمة، لم تفلح.
وفي رسالة لها كتب نيتشه: «لا أريد أن أكون وحيدا، وأرجو أن أتعلم مرة أخرى كيف أصبح كائنا إنسانيا. أجل، ففي هذا المجال يجب أن أتعلم شيئا».
منذ البداية تقريبا هاجم نيتشه سقراط باعتباره أبو العقلانية، هاجمه في «ميلاد التراجيديا» كيف كان سببا لموت التراجيديا الإغريقية بخرافات العقل، أو كما يخبرنا أنه جلب انحطاطا آخر لشعبه «طغيان العقل». وأعاد الكرة مرة أخرى في «أفول الأصنام».
اعتبر نيتشه العقل أداة وليس كالكثير من الفلاسفة «كيانا آخر». اعتبره شيئا ثانويا والأساس في نظره الغرائز. آمن بأن العقل في الكثير من المرات يقع في الأخطاء ويواري الحقائق بينما الغرائز هي صادقة وبريئة. وهذا ليس معناه أن العقل ليس له دور في فلسفته.. فهو يرى أنه مهم لترتيب الغرائز.
كان نيتشه أستاذا للغة وشاعرا وموسيقارا وباحثا ومحللا نفسيا أيضا. والفكرة قبل أن ترى النور في كتبه يتم تمحيصها أشد تمحيص.
فإرادة القوة مثلا ظهرت كفكرة في كتابه «إنساني... إنساني جدا» وبدأ بالتعمق فيها في كتابيه «الفجر» و «أفول الأصنام» إلى أن أصبحت الفكرة عصب فلسفته في كتابه «هكذا تكلم زرادشت».
وما كان يميز فكر نيتشه أيضا الغموض والذي تعلمه من هيراقليطس والذي عده نيتشه عظيما وشاركه حبه لديونيسيوس ولهذا يتم تفسير فلسفته لاتجاهات وأغراض مختلفة.
فعندما ذكر «الوحش الأشقر» لم يقصد «الجنس النوردي» أو الآري كما فسره البعض، فحين قدمه نيتشه أول مرة قصد به العرب واليابانيين والرومان والإغريق وقبائل التيوتان.