يُعدّ كتاب "هكذا تكلم زرادشت" أ
أنت هنا
قراءة كتاب هكذا تكلم زرادشت - للمجتمع لا للفرد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
تعد الفلسفة أو الحكمة أو البحث عن الحقيقة أكثر العلوم الدنيوية أهمية بعد كل من الإسلام واللغة العربية، وعلى الرغم من أن البعض لا يؤمن بالفلسفة كنظام متكامل شامل كما يؤمن بها بعض الفلاسفة والمفكرين لكننا نشاهد العالم اليوم مبنيا على الفلسفة بما في ذلك الكثير من العلوم الحياتية المنبثقة من الفلسفة. وبغرض محاربة وجود أية فلسفة منزهة ومحاربة تأليه بشر الفلاسفة أو فلسفتهم فإنه يجب علينا دراسة الفلسفة بتعمق وعدم أخذها كمسلمات لكي لا تجرنا إلى الجحر المظلم الذي اختنقت فيه الحضارة الغربية رغم مظاهرها البراقة الخادعة فجميع الأنظمة الحياتية المطبّقة على أرض الواقع اليوم وإن كانت غير مبنية على دلائل يقينية ونصوص ربانية كما هو الإسلام فهي مبنية على عقائد فلسفية لا تعترف بوجود خالق ولا تضع وجوده بعين الاعتبار، فهي قاصرة عن هذا التصور الذي لا يدركه سوى المتبصر المتيقن أن وراء هذا الكون خالق قدير.
والفلسفة هي الدين الجديد للعالم على مختلف المسميات التي تطلق على الديانات التي يتفق أتباعها على فصل الدين عن الدولة والحياة.
فالفلسفة اليوم هي ذلك الدين البشري الصنع الذي صهر معظم الأديان الأخرى فيه وهزمها واحدة تلو الأخرى فأصبحت حقيقتها هوايات يمارسها المغلوبون على أمرهم بالمنزل أو في مكان العبادة المفصول عن الواقع المعاش تحت مسمى فصل الدين عن الدولة والحياة، فجميع الأنظمة المعمول بها والأفكار المطبقة على أرض الواقع اليوم - ذلك الواقع الافتراضي غير الحقيقي الذي فرضه الغرب على نفسه ويحاول أن يفرضه علينا - هي أوهام منبثقة من وجهة نظر فلسفية غربية مخالفة للأفكار الصحيحة الواقعية - تلك التي تؤمن بوجود خالق- وتمثل تلك النظرات الفلسفية دساتير بشرية يظن بحقيقتها رغم أنها غير مبنية على قواعد ثابتة، فأنظمة الحكم والنظم الاجتماعية ونظاما التعليم والاقتصاد ودراسات النفس ودراسات الاجتماع ودراسات السياسة ودراسات الاقتصاد وكثير من الدراسات التطبيقية الأخرى والتطبيقات التي تبحث في تحرير أو عبودية الإنسان أو تتعلق به وبتنظيم أمور حياته كلها دون استثناء مبنية على قواعد فلسفية غربية أو مشوبة بنظرات من الإعجاب للغرب المنتصر وفلسفته المادية الوجودية.
كثيرا ما يشاهد توحد الصف لدى الفلاسفة القائلين بعدم وجود خالق والفلاسفة القائلين بأنه لا أهمية لوجود أو عدم وجود خالق في حرب طاحنة ضروس ضد أية فلسفة قائلة بوجود خالق، فكان النصر من نصيب حملة لواء فصل الدين عن الدولة وعن الحياة لتحترق جميع الفلسفة المؤمنة بوجود خالق لهشاشتها وضعف حجتها وبقي فقط صراع واحد في هذه الحلقة هو ذلك الصراع ضد كل فكر ينادي بوحدانية الخالق ورسالة المصطفى عليه أزكى صلاة وأصدق سلام.
ولا شك أننا كمسلمين نختلف مع كل فيلسوف غير مؤمن بوحدانية الخالق ونقوم بنقض فكره وفلسفته المبنية على أوهام رؤية بشرية ضيقة لا تتسع لشمل ما هو خارج عن طاقة وقدرات الإنسان.
ونيتشه واحد من أولئك الفلاسفة الذين لا يؤمنون بالحقائق النقلية التي هي منزلة من عند الخالق ولا يعتقد بأهمية العاطفة ودورها التكميلي للعقل، حيث يقول «إن العطف أمر مشروع إذا كان فعّالاً، أما الشفقة فهي ضربٌ من الشلل العقلي. بالإضافة إلى ما تنطوي عليه الشفقة من السماجة وقلّة الأدب».
إن هذه الكلمات القليلة تترجم أفكار نيتشه حول الفردية البشرية وتفكك الروابط الأسرية والاجتماعية، وهي لا تختلف مع الطبقية وعدم المساواة بين البشر التي نادى بها نيتشه في تبشيره بالإنسان الأعلى، حيث نشاهد في كلماته هنا أنه اعتبر العطف مسوغا بطريقة عقلية تدعو إلى تغليب المصلحة الشخصية والشخصانية على العاطفة تجاه الآخرين حيث يدعو بكلماته تلك إلى عاطفة عقلية متعقلة بزعمه، وفي نفس الوقت يدوس على العاطفة الفطرية للإنسان باتهامها بأنها شلل عقلي وهو يصف الحالة العاطفية المفعمة بأنها شلل وضعف بسب غياب العقل، ويتجلى تغليبه للعقل على العاطفة بقوله بأن الشفقة سماجة وهو بذلك يدوس على العاطفة البشرية، وقوله قلة أدب يؤكد أن الأدب لديه نابع من العقل لا من العاطفة وذلك يصب بأن منهجه عقلي بحت.
إن كلا من العاطفة والعقل له أهمية كبيرة كما أن الأم والأب كليهما يكمل كل منهما رسالة الآخر ولا نعتقد أن نيتشه كان وُجد وحمل هذه الأفكار لو أن أمه عطفت عليه وأرضعته حليبها وهو طفل عاجز، أو أنها سهرت على رعايته كما باقي الأمهات، فهي لم تسهر بدافع العقل لتذوي عيونها كما الشمعة المحترقة، فلا يوجد عاقل يسهر على راحة الآخرين بل هي العاطفة والشفقة.
ترعرع نيتشه في أسرة قساوسة وضمن أطر دينية محكمة فكان لذلك أثر كبير في ثورته على الأطر الدينية.
توفي والده وهو في الخامسة من العمر بمرض عضال. كان يتساءل عن سبب مجيئه إلى هذا العالم و مبرر وجوده، ولأن والده لم يؤذِ أحدا بحياته ـ وفق تصوره ـ تساءل نيتشه لماذا يموت الأخيار ويعيش الأشرار؟
تتلمذ على يد معلمه الذي آمن بعبقريته البروفيسور ريتشل، حيث تأثر نيتشه بقراءته لشوبنهاور احد الفلاسفة الذين وصفهم الناس بالمتشائمين، إذ كان شوبنهاور يلعن الحياة ويصفها بالخدعة الكبيرة أو بأنها سراب.
برع نيتشه في الكتابة وكتب في وصفه لفلسفة فارس الشرقية حيث اعتبر نيتشه زرادشت مسيحا معكوسا. وقال إن زرادشت يبشر بتعاليمه وهو في سن المسيح.