يُعدّ كتاب "هكذا تكلم زرادشت" أ
أنت هنا
قراءة كتاب هكذا تكلم زرادشت - للمجتمع لا للفرد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
3
وإذا وصل زرادشت إلى المدينة المجاورة، وهي أقرب المدن إلى الغاب، رأى الساحة المكتظة بخلق كثير أعلنوا من قبل أن بهلواناً سيقوم هناك بالألعاب، فوقف زرادشت في الحشد يخطبه قائلاً:
إنني آتٍ إليكم بنبأ الإنسان المتفوق، فما الإنسان العادي إلا كائن يجب أن نفوقه، فماذا أعددتم للتفوق عليه؟
إن كلاً من الكائنات أوجد من نفسه شيئاً يفوقه، وأنتم تريدون أن تكونوا جزراً تصد الموجة الكبرى في مدها، بل إنكم تؤثرون التقهقر إلى حالة الحيوان بدل اندفاعكم للتفوق على الإنسان. وهل للقرد من الإنسان إلا سخريته وعاره؟ لقد اتجهتم على طريق مبدؤها الدودة ومنتهاها الإنسان، غير أنكم أبقيتم على جل ما تتصف به ديدان الأرض. لقد كنتم من جنس القرود فيما مضى، على أن الإنسان لم يفتأ حتى اليوم أعرق من القرود في قرديته.
ليس أوفركم حكمة إلا كائن مشوش لا يمتّ بنسبه إلى أصل صريح، فهو مزيج من النبات والأشباح، وما أدعو الإنسان ليتحول إلى شبح أو إلى نبات.
لقد أتيتكم بنبأ الإنسان المتفوق.
إنه من الأرض كالمعنى من المبنى، فلتتجه إرادتكم إلى جعل الإنسان المتفوق معنى لهذه الأرض وروحاً لها.
أتوسل إليكم أيها الإخوة أن تحتفظوا للأرض بإخلاصكم، فلا تصدقوا من يمنونكم بآمال تتعالى فوقها، إنهم يعللونكم بالمحال فيدسون لكم السم، سواء أجهلوا أم عرفوا ما يعملون، أولئك هم المزدرون للحياة، لقد رعى السم أحشاءهم فهم يحتضرون، لقد تعبت الأرض منهم فليقلعوا عنها.
لقد كانت الروح تنظر فيما مضى إلى الجسد نظرة الاحتقار فلم يكن حينذاك من مجد يطاول عظمة هذا الاحتقار. لقد كانت الروح تتمنى الجسد ناحلاً قبيحاً جائعاً، متوهمة أنها تتمكن بذلك من الانعتاق منه ومن الأرض التي يدب عليها. وما كانت تلك الروح إلا على مثال ما تشتهي لجسده ناحلة قبيحة جائعة، تتوهم أن أقصى لذاتها إنما يكمن في قسوتها وإرغامها.
أفليست روحكم، أيها الإخوة، مثل هذه الروح؟ أفما تعلن لكم أجسادكم عنها أنها مسكنة وقذارة وأنها غرور يسترعي الإشفاق؟
والحق، ما الإنسان إلا غدير دنس، وليس إلا لمن أصبح محيطاً أن يقبل انصباب مثل هذا الغدير في عبابه دون أن يتدنس.
تعلموا من هو الإنسان المتفوق.
إن هو إلا ذلك المحيط تُغرقون احتقاركم في أغواره.
وهل تتوقعون بلوغ معجزة أعظم من هذه المعجزة؟
لقد آن للاحتقار أن يبلغ أشده فيكم، بعد أن استحالت رؤيتكم لذاته كما استحالت عقولكم وفضائلكم إلى كره واشمئزاز.
لقد آن لكم أن تقولوا: ما يهمني شرفي، وما هي إلا مسكنة وقذارة وغرور، في حين أن على الشرف أن يبرر الحياة نفسها.
لقد آن لكم أن تقولوا: ما تهمني القوى العاقلة فيّ، إذا لم تطلب الحكمة بجوع الأسد وما هي الآن إلا مسكنة وقذارة وغرور.
لقد آن لكم أن تقولوا: ما يهمني عدلي، إن العادل يقدح شرراً ولما يشتعل.
لقد آن لكم أن تقولوا: ما تهمني رحمتي، أفليست الرحمة صليباً يسمَّر عليه من يحب البشر؟ ورحمتي لما ترفعني على الصليب.
أقلتم مثل هذا وناديتم به؟ ليتني سمعتكم تهتفون بمثله!
إن ما يرفع عقيرته إلى السماء إن هو إلا غروركم لا خطاياكم، إن هو إلا حرصكم حتى على خطاياكم.
أين هو اللهب الذي يمتد إليكم ليطهركم؟ أين هو الجنون الذي يجب أن يستولي عليكم؟
هاأنذا أنبئكم عن الإنسان المتفوق.
إن هو إلا ذلك الإله وبذلك الجنون.
وما إن فرغ زرادشت من كلامه حتى ارتفع صوت من الحشد قائلاً: «لقد كفانا ما سمعنا عن البهلوان، فليبرز لنا الآن لنراه».
فضحك الجميع مستهزئين بزرادشت، وتقدم البهلوان ليقوم بألعابه وهو يعتقد أنه كان موضوع الحديث.