أنت هنا

قراءة كتاب هكذا تكلم زرادشت - للمجتمع لا للفرد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
هكذا تكلم زرادشت - للمجتمع لا للفرد

هكذا تكلم زرادشت - للمجتمع لا للفرد

يُعدّ كتاب "هكذا تكلم زرادشت" أ

تقييمك:
4.666665
Average: 4.7 (3 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
من هو زرادشت يا ترى؟ لطالما حمل هذا الاسم تساؤلات عدة، بداية من اسمه، إلى من هو، ما قصته؟
 
لقد اندثرت تعاليم زرادشت، وزرادشت هذا مصلح ديني من بلاد فارس ظهر في القرن السادس قبل الميلاد، وكان تصوره للعالم قائما على الصراع بين إله الخير وإله الشر، يأتي نيتشه ويبث من خلال زرادشت كل فلسفته، كل جنونه، كل قيمه. لا ليعلن الصراع بين إله الخير والشر بل ليعلن موت الإله.. إله الكنسية، لا يقول ثمة صراع بين إله وإله، بل يدعو ويصارع من أجل بلوغ الإنسان الراقي الذي يكون ويعتز بقيمته ويقول: أنا.
 
على لسان زرادشت يقول: هناك دائما في الحب شيء من الجنون ولكن أيضا في الجنون شيء من العقل.
 
أيضاً: الخلق هو أكبر مخلص من المعاناة، فهو يخفف عبء الحياة ولا بدّ للخلاق من المعاناة والتحولات. ولكي يكون الخلاق نفسه وليدا، يجب كذلك أن تتوفر لديه الإرادة في أن يكون واضعة ويتحمل آلام مخاضها.. ويقول «ابدؤوا بالثقة في أنفسكم فالذي لا يثق بنفسه يكذب دائما» و «احرصوا على ألا تريدوا من الأشياء أكثر مما تسمح به إمكانياتكم والذين يريدون أكثر مما تسمح به إمكانياتهم إنما يراؤون الناس».
 
وعندما نقرأ: «يا زرادشت، إنّ ثمارك قد نضجت ولكنك لم تنضج بعد لتقطفها، لذا وجب عليك أن تعود لوحدتك حتى تصير ناضجا» نشعر بأنّ الكتاب يخاطبنا، يحفزنا، وكتابٌ يكّون كل هذه المشاعر هو كتاب حق وجدير بالالتفات والتفكر.
 
لا نتصور أننا سنبحث عن نيتشه في غير هذا الكتاب، لا نتصور أن نقلق أنفسنا في البحث عن فكره وتطلعاته.
 
لقد وجدناه هنا، كما هو، مجنونٌ وغير جامد، بترجمة مبدع وفنان...!
 
في آب/أغسطس من عام 1881 كان فريدريك نيتشه يتمشى عبر الغابات بجانب بحيرة سيلفابلانا، وتوقف أمام موضع بجانب صخرة ضخمة سامقة هرمية، حين لمعت في رأسه فكرة كتاب: «هكذا تكلم زرادشت».
 
استغرق تأليف الكتاب نحو ثمانية عشر شهراً، لأن نيتشه أنجز الجزء الأخير منه في فبراير/شباط 1883، ولكن كتابته تمت على مراحل، فعلى سبيل المثال انقطع عن الكتابة فيه فترة لينجز مؤلفه: «ترنيمة إلى الحياة».
 
يقول نيتشه انه وضع هذا الكتاب في السنة التي ملأت نفسه بشجن ايجابي، اسماه الشجن التراجيدي، وقال إن الناس سوف يتغنون بالترنيمة احتفالاً بذكراه، لكنه أحب أن يؤكد الفكرة القائلة إن النص ليس نصه، وإنما كان إلهاماً فريداً من المرأة الروسية الشابة الآنسة لوفون سالومي، وكانت تشده إليها آنذاك علاقة صداقة قوية.
 
من وحي ذلك النص سيقول نيتشه إن الألم لا يمكن له أن يكون اعتراضاً على الحياة: «لا يهم إذا لم تكن سعادة لتعطيها لي فلا يزال لديك أسفك».
 
في الشتاء التالي عاش نيتشه في مكان لا يبعد كثيراً عن جنوه على ذلك الخليج المسالم الرائع. لم تكن صحته على ما يرام وكان الشتاء ممطراً بغزارة وضوضاء البحر شديدة بحيث تحول دون النوم، أي تماماً على خلاف الظروف التي تتيح الهدوء، لكن بالرغم من هذه الظروف انطلق نيتشه في كتابه «هكذا تكلم زرادشت» مؤكداً بذلك نظريته القائلة إن كل شيء حاسم يأتي نتيجة التعارض والتقابل.
 
في الصباح كان يبدأ مشواره على الطريق الرائع وسط غابة من أشجار الصنوبر والتي تتيح للإنسان أن يطل على البحر، وبعد الظهر، وعندما كانت صحته تسمح يتمشى حول الخليج بأكمله. على هذه الدروب الساحرة ارتسمت شخصية زرادشت نفسه كنمط.
 
عن ذلك عبر نيتشه بهذا القول المعبر: «لم يكن زرادشت يخطر لي، لا بل أحاط بي وغزاني».
 
لكن ما هو النمط الذي يمثله زرادشت؟ إنه ذلك النمط الذي تتوق نفسه لمعايشة المدى الكلي للقيم والرغبات السابقة، وهي تطوف مبحرة في هذا البحر المثالي، وهو انطلاقاً من مغامرات تجربته العميقة الخاصة سوف يعرف الشعور الذي يحس به المكتشف لما هو مثالي، وهو لذلك يعرف أن يكون فناناً وقديساً ومشرعاً وحكيماً ودارساً وكاهناً وقسيساً ماهراً قديماً.
 
إن الأمر يبدو بمثابة دعوة لكل الذين يحسون في أنفسهم روح المغامرة إلى ولوج تلك المجاهل التي لم تطأها قدم قبل ذلك، هي أن يبدوا كما لو أنهم يرون أمامهم الأرض غير المكتشفة بحدودها التي لم يرها الإنسان بعد، وهي ارض تمتد وراء الأراضي المعروفة الأخرى والأماكن المتخفية لما هو مثالي، وهو عالم مفرط في الجمال والغربة والشك والرعب دافعا لأقصى إثارة.
 
سيأتي شتاء ثالث يذهب فيه نيتشه إلى نيس التي ملأته بنورها اللامع. كانت هناك زوايا خفية عديدة ومرتفعات في المنطقة حول نيس قد احتفت به في لحظات لا تنسى. هناك أنجز نيتشه الجزء الأخير من كتابه خلال الرائحة العطرة المتصاعدة من الوادي.
 
بعد ذلك سيصف نيتشه كيف بدا لحظتها: «نمت نوما عميقا، وضحكت ضحكا كثيرا، ولقد كنت قوياً وصبوراً على نحو كامل. لقد حصل الجسم على إلهامه».
 
عيسى الحسن

الصفحات