أنت هنا

قراءة كتاب هكذا تكلم زرادشت - للمجتمع لا للفرد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
هكذا تكلم زرادشت - للمجتمع لا للفرد

هكذا تكلم زرادشت - للمجتمع لا للفرد

يُعدّ كتاب "هكذا تكلم زرادشت" أ

تقييمك:
4.666665
Average: 4.7 (3 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 4
ولكن كيف ساهم تفكيره في جنونه؟
 
إن نيتشه كان «يعرف أكثر مما ينبغي» وهي الجملة التي دائما ما رددها كولن ولسن في مشكلة اللامنتمي وشعوره بأنه مجبول لشيء أعظم - خلاص البشرية - وهو يكمن في يده.
 
قد عذبه هذا الشعور وأرقه، كذلك قتاله من أجل حرية الفرد جعله يخوض معاركه في مياه ضحلة.
 
هاجم كيركغارد المسيحية ومثله نيتشه واعتبراها مخادعة وتخفي الحقائق وهما بذلك قد شاهدا العدمية أمامهما في حال إلغائها، لكن كيركغارد تجاوز العدمية وذلك بأن يصبح المرء مسيحيا أفضل إن انتقل من المرحلة الحسية الجمالية إلى المرحلة الأخلاقية حتى يصل إلى المرحلة الدينية. ولا يمكن أن توضع هذه المراحل في قوالب عقلية أو تفرض بطريقة منطقية، فالمسيحية نفسها مفارقة، وهي تتطلب قفزة نحو الأعلى، بمعنى آخر إن كيركغارد رجع للمسيحية ولكن من طريق آخر ليس طريق الكنيسة.
 
أما نيتشه فقد رأى بأن الإلحاد هو الفرصة الأعظم وليس مجرد ضياع. فقد انشغل بالكيفية التي يستطيع المرء بواسطتها أن يخرج من المسيحية، فالإيمان المسيحي بنظره «انتحار عقلي»، وفي حين يقبل كيركغارد التضحية بالعقل فإن نيتشه يرفضها وينظر للمسيحية على أنها تضحية بالروح البشرية.
 
وفي تصور نيتشه أن القضاء على العدمية يبدأ بالقضاء على الإله، فأعلن، بحماقة، موت الإله دون أن يدري أنه بذلك إنما يعمق من الإحساس بالعدمية ويدفع بالعالم الذي أصبح بلا قانون يحكمه إلى هاوية بلا قرار.
 
إن هذا يوضح طبيعة الحمل الذي أخذه فكر نيتشه على عاتقه. فهو يرى أن خلاص البشرية إنما يكون على يده، فأخذ مطرقته وهدم الأخلاق، وفيما يخص مشرعها فقد أماته، وقدم هدفا جديدا للإنسان يجب أن يخدمه وهو «الإنسان الأعلى» وأقام معه فكرة العود الأبدي حتى يحب الإنسان الحياة ويعمل لخيره فيها، أما فيما يخص العالم وما الذي يحركه فإن فكرة إرادة القوة تطل علينا هنا. وهو بذلك يقدم لنا نظاما جديدا «دينا جديدا»، وهذا معناه أن تفكيره لن يتوقف فقط عند الأمور الكبيرة التي تهم البشر، بل ومع صغائر الأمور (التافهة)، ولهذا انكب على القراءة والكتابة ليفكر بشكل أكثر وأبعد، مما سبب له سلسلة طويلة من أمراض الصداع وسوء الهضم والإنهاك العقلي والجسدي، فكان يبلغ به الأمر أنه لا يستطيع أن يفهم شيئا أو يدرك أمرا مهما تفه في بعض الأحيان.
 
وكما قال كولن ولسن: «كانت الأمور تعرقل طبيعته الخلاقة، لأن ذهنه ارتفع إلى مستويات عالية من التفكير حين كان يتمتع بصحة جيدة. وكان مثل فان كوخ في أن الأمور التافهة ضيقت عليه الخناق في اللحظة الحرجة التي بدأ فيها بالانهيار».
 
ولا نريد أن نقلل من شأن المرض الذي أصاب نيتشه وهو ما يزال تلميذا، فقد ساهم في جنونه، وبقيت صحته معتلة منذ ذلك الوقت، وهي فترة طويلة قد تكون فعلا سببا كافيا لجنونه.

الصفحات