أنت هنا

قراءة كتاب الإسلام والعصر تحديات وآفاق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإسلام والعصر تحديات وآفاق

الإسلام والعصر تحديات وآفاق

كتاب " الإسلام والعصر تحديات وآفاق " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

مقدمة المحرر : الوعي والإيديولوجية

منذ ما يقارب عشر سنوات كان اللقاء الفكري الجماهيري الأول بين الأستاذ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي والأستاذ الدكتور طيب تيزيني، وذلك من خلال ندوة تلفزيونية استقطبت الملايين من المشاهدين من مختلف الاتجاهات والمستويات الفكرية، فتابعوا باهتمام بالغ هذا اللقاء الفكري وهم يتوقعون سجالاً أشبه بالمعركة.. انتهى اللقاء ولما ينتهِ! امتد إلى المجالس والبيوت، وتحولت الاجتماعات والمناسبات إلى ندوات عفوية، وأثيرت الأسئلة، وشكلت أرضية لقراءة متجددة ووقفة متأملة، ومهدت عند الكثيرين الاستعداد الكافي للإنصات لوجهة النظر الأخرى.

وما تميز به اللقاء من تواصل فكري هادئ ورصين، بدد أوهام الكثيرين ممن كان يتصورونه معركة حامية الوطيس.. فالرجلان جاءا بلا وصفات جاهزة، والتقيا وكل منهما يدرك أهمية الإنصات للآخر، قبل أن يقدم ما لديه أو ينتقد ما لدى الآخر، هذا اللقاء كان له أثر نفسي كبير ومبكر في استيعاب التحولات العالمية اللاحقة، وتأثيراتها المحلية خاصة بُعيد انهيار الإيديولوجية الماركسية في تطبيقاتها الاجتماعية والسياسية، وحرب الخليج وبروز النظام العالمي الجديد، وساحات الصدام المضطرمة داخل العالم الإسلامي من جهة، وعلى حدوده مع الآخرين من جهة ثانية، فكان ذلك الحوار فاتحة مبكرة لأمر بات ضرورياً وملحّاً، وهو الحوار بين أطراف الساحة الفكرية داخلياً.

ومع أن العالم ثقافياً وسياسياً كان يتجه نحو تدويل الحوار وعالميته، إلا أن اللعبة كانت مكشوفة، وما كانت لتنطلي على أحد طويلاً. فالحوار بين مهيمن ومستضعف ليس سوى تمرير رغبات وإملاء قرارات وفرض إرادات وبذلك يخرج الحوار عن تعريفه ووظيفته.

أما الحوار الممكن ـ حالياً على الأقل ـ فهو حوار الدخل، حوار الساحة الفكرية الداخلية، الحوار الذي يدفع التيارات باتجاه هدف مشترك بدلاً من أن تتصادم وتتخامد واهنة. ولم تخلُ الساحة من حوارات فيما سبق.. ولكنها كانت حوارات محدودة ومعدودة، ولم تتسم بالتفاعل المطلوب، إذ غلبت عليها المساجلة والمصادرة وعدم القدرة على الإنصات للآخر، فالاتجاهات الرئيسية الأربعة المتمثلة في الاتجاهات الدينية والقومية والماركسية والليبرالية، لم تتمكن من فتح باب الحوار على مصراعيه، ولا قامت بمراجعة نقدية ذاتية، ولا حاولت ترقب الجانب المضيء في الآخر.. ومع أن بعض المحاولات جمعت هذا الطرف وذاك.. إلا أن الحوار لم يجمع كل طرف مع الأطراف الأخرى بشكل واف، بل هناك حوارات لم تتم ولو بشكل مبسط بين بعضها.

ومع أن كل اتجاه من هذه الاتجاهات كان يحوي تيارات متشددة ومعتدلة، كانت حالة العداء حاجزاً عصياً أمام فهم الآخر ومعرفته.. حتى إن معظم النتاج النقدي كان يغلب عليه طابع الاتهام والتجهيل والمروق. كان زعم كل طرف بامتلاك الحقيقة مسوغاً لإغراق الآخر في الباطل، وكانت فلسفة تأكيد أرجحية الذات تعتمد على الانتقاص من الآخرين، لا بيان مسوغات التجربة الخاصة من خلال نموذج عملي وسلوكي.

ثم إن التحولات الكبيرة عالمياً، مع تقلبات الساحة الداخلية، أفرزت واقعاً جديداً انقسمت فيه الساحة إلى اتجاهين رئيسيين؛ هما الاتجاه الديني والاتجاه العلماني. وأهم ملامح الصراع الجديد تبدو في الاتهامات التي يكيلها كل طرف للآخر، فالاتجاه الديني يتهم الاتجاه العلماني بالعمالة والتغريب، والنقمة على الدين والتراث، والوقوف ضد الهوية الخاصة، والاندغام في المخططات الكولونيالية وخدمتها.. إلخ بينما الاتجاه العلماني يتهم الاتجاه الديني بالتقوقع والجمود والجهل والماضوية، وعدم القدرة على استيعاب العصر وتحولاته.. إلخ.

وكل طرف يتهم الآخر بالظلامية ويدعوه إلى اتباع نموذجه التنويري ضمن مقاييس خاصة أشبه بالمقصلة! قلة قليلة استطاعت إلى حدّ ما التفاعل مع الآخر والتأكيد على أهمية فهم الآخر ووسائله ومناهجه.. إلا أن هذه القلة لم تلقَ التجاوب المنظور والملحوظ في الواقع.. لأن الواقع بحد ذاته فيه انقسام حاد وقطيعة معرفية حادة بين أتباع النموذجين. إذ تم التفاعل مع هذين الاتجاهين بشكل إيديولوجي. فكان للإيديولوجية الدينية في مواجهة الإيديولوجية العلمانية توغلات في الافتراق المعرفي والاجتماعي والفكري.

ومع استمرار هذه الحال وتفاقم التحديات الخارجية و(الداخلية)، تبدو أهمية الحوار في الخروج من الصراع الاختزالي حيث كان يعمد كل طرف إلى اختزال الآخر.. فالاعتزاز بالأبعاد الذاتية يستلزم الانفتاح على الآخر والتواصل معه وقراءته والتعرف عليه بمناقبه ومثالبه.

وفي هذه الحلقة من (حوارات لقرن جديد) أنموذج حواري متألق بين علمين لهما حضورهما وتاريخهما وتجربتهما الطويلة، ومع أن التقابل هنا قد يوهم التضاد، إلا أننا نجد أن التقابل هنا ينحو نحو التفاعل والتكامل وليس التفاضل. فالدكتور البوطي يؤكد على أهمية الفرد وتربيته والتزامه، كمدخل إلى مجتمع سليم معافى، ويؤكد بذلك على أهمية الوعي ويدعو إليه سبيلاً لمواجهة الحاضر بتحدياته المختلفة، مؤكداً على دور العقل والتجربة والسلوك، بينما ينتقد الدكتور التيزيني الإيديولوجيا والأبعاد الإيديولوجية في التجربة الدينية، ومن خلال هذا الأمر إنما يؤكد على أهيمة الوعي، تماماً كما ينتقد الدكتور البوطي الإيديولوجيا وهو يؤكد على المسؤولية الفردية.

الصفحات