كتاب " الإسلام والعصر تحديات وآفاق " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب الإسلام والعصر تحديات وآفاق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وعلى الرغم من أن هذا التَّصور وهم باطل، بل هو خلط خطير، لا ينزلق إليه من كانت لديه أدنى بصيرة بالإسلام وعقائده، فإن هذا الوهم كان لابدّ أن يسري للسبب الذي ذكرت، إلى أذهان الأحزاب والفئات اللاإسلامية، بل كثيرٍ من الجاهلين أيضاً، ثم كان لابدَّ أن تتراكم عوامله في أفكارهم ونفوسهم، من جراء الاحتكاكات المستمرة التي كانت تتسم بالعنف بينهم وبين (الإسلاميين) والتي كان (اللاإسلاميون) يجرَّمون من خلالها لسبب واحد، هو اختيارهم الأنظمة والقوانين الوضعية، أيّاً كانت، بدلاً عما يقابلها من الأنظمة والقوانين الإسلامية.
لقد كان طبيعيّاً، بل منطقيّاً أيضاً، ألا يزداد (اللاإسلاميّون) على اختلاف فئاتهم إلا تبرُّماً من هذا الإسلام التطبيقي الذي يُدعون إليه، والذي لم يترسَّخ له في أذهانهم إلا مصداق واحد، هو إحلال نظام في مكان نظام، بقطع النظر عن المصدر أو الجذور.. إن دعوة من هذا القبيل إلى نظام إسلامي مبتور من جذوره، لن تتغلب على القناعة المهيمنة على عقول أولئك الناس الذين تشبَّعوا نفسيّاً وفكريّاً بالأطروحة القائلة بأن الأنظمة الحضارية الحديثة أكثر استجابة للحاجات والمصالح العصرية التي يتطلَّبها إنسان هذه الحضارة اليوم، من أنظمة قديمة تساق إليهم من وراء حواجز القرون باسم الإسلام..
ثم إن هؤلاء الناس كانوا ولا يزالون مشبعين فكريّاً بأنَّ تيار التَّحدِّيات العصرية والمقبلة إلينا من الغرب أو الشرق، أقوى وأعتى من أن تمتصها أو تتغلب عليها أنظمة وقوانين قديمة صيغت لعهود غابرة لم تكن تعاني شيئاً من هذه التَّحدِّيات، ما دامت أنها أنظمة وقوانين مجردة.
ولا أزال أذكر يوم أقبل إليَّ واحد من ذوي الاتِّجاهات اللاإسلامية، ومن الذين تراكمت في أذهانهم عوامل هذا التَّصور، للسبب الذي أوضحت، فقال لي (وقد كنت أحدِّثه عن الإسلام ومشكلة شرود المسلمين اليوم عنه وجهلهم الشَّديد به): إذا قررنا أن نطبِّق الإسلام (يقصد الشريعة الإسلاميّة) منذ اليوم، فما المدة التي ينبغي أن تقضيها ليحررنا الإسلام من التَّخلف الذي نعاني منه؟..
لقد نبَّهني سؤاله هذا إلى أن المطلوب مني أن أبدأ فأُصحّح فهمه للإسلام الذي أحدثه عنه قبل أن أجيبه عن سؤاله الذي كان منطقيّاً في طرحه. فما من شك أنه عندما يدعى إلى تطبيق (إسلام علاجي) لا يتمثَّل إلا في طائفة من الأنظمة والأحكام يطلب منه أن يعمل على أخذ المجتمع بها بدلاً من طائفة أخرى من الأنظمة والأحكام المشابهة أو المقابلة، فمن حقّه أن يسأل عن السِّر وعن السبب والفرق، ثم إن من حقّه أن يلحَّ في السؤال عن الدليل على أن طائفة الأحكام الشرعية، هي الكفيلة بحلِّ المشكلات الاجتماعية المتنوعة، وبتحقيق عوامل التقدّم والازدهار فيه، على الرغم من تقادم العهود عليها، لا الأحكام والأنظمة الحديثة الأخرى التي يفتتن جمهرة كبيرة من الناس بها[1].
بل إني أؤكد أنه لو طرح عليَّ سؤال يقول: ما مدى ضمانة تطبيق مجتمع ما لأنظمة الإسلام وأحكامه الفوقية لانتشاله من التَّخلف، والارتفاع به إلى صعيد التَّقدم والازدهار؟ فلسوف يكون جوابي الذي لا بديل عندي له: لا ينطوي تطبيق تلك الأنظمة الفوقية على أي ضمانة من هذا القبيل.
وذلك لأن الإسلام الجوهر هو الضامن والكفيل، لا أنظمته وأحكامه الفوقية المفصولة عنه. ولأن الوعد الذي قطعه الله على ذاته العليّة في قوله عز وجلّ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَما اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 24/55]. إنما هو لمن هيمن الإسلام يقيناً ووجداناً على كيانه، وليس لمن هيمنت نظمه وشرائعه المنفصلة عنه على شخصه أو في مجتمعه.