أنت هنا

قراءة كتاب الإسلام والعصر تحديات وآفاق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإسلام والعصر تحديات وآفاق

الإسلام والعصر تحديات وآفاق

كتاب " الإسلام والعصر تحديات وآفاق " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2

وساحة الحوار بينهما وإن حفلت بالاختلاف بينهما، إلا أنها لا تدخل ساحة الخلاف.. ولعلنا لو تعمقنا في الدلالات والأفكار، لوجدنا أن كلاً منهما يشخّص الواقع بطريقته ويعالجه بأسلوبه الخاص، وثمة نقطة مركزية ينطلقان منها وهدف مركزي ينتهيان إليه، هما الواقع المزري والمستقبل الأفضل وهما في تواصلهما الفكري يقدمان، بالإضافة إلى هذا الكم من الأفكار، درساً بليغاً للعاملين في مجال الفكر ومتابعيه، يتجلى هذا الدرس بأهمية الانفتاح على الآخر والابتعاد عن الأشكال الاختزالية، وكأنهما يقولان بصوت واحد: (أضئ المعتم في داخلك واقبس المضيء في الآخر)! ولأن محور الحوار هو الإسلام والعصر (التحديات والآفاق)، لم يدخر الدكتور البوطي جهداً في نقد وتحليل النماذج الإيديولوجية لينتهي إلى تأكيد أهمية بناء الفرد الواعي.. ولم يدخر الدكتو التيزيني جهداً في التواصل وقراءة الواقع قراءة نقدية تؤكد من حيث النتيجة ما يذهب إليه الدكتور البوطي.

والحرص الذي أبداه كل من الرجلين يؤكد أموراً عدة منها ما يصب في دائرة عمقهما الفكري وخبرتهما الطويلة، ومنها ما يصب في دائرة الحوار وأهميته، ومنها ما يصب في إطار الكشف عن التحديات وآفاقها أمام واقع عالمي مضطرب.. خاصة أن الزمن الذي نعيشه كما (يبدو لي) من أهم المفاصل التاريخية والفكرية على صعيد العالم برمته في ظل الثورة الإعلامية والمعلوماتية.

لا.. ليست نهاية التاريخ.. إنما هي إرهاصات تاريخ جديد للبشرية، عندما تغدو المعلومات مشاعة والمعرفة كونية ومساحات اللقاء أكثر اتساعاً.. يوماً بعد يوم سيتأكد الجميع أن معرفة الآخر حصانة للذات، وسماع الآخر تنقية من الشوائب والعلائق، وحرية الآخر في التعبير ضمانة لرؤية أكثر امتداداً.

والله حي لا يموت مهما دفع الغرور الناس إلى إعلان موته وسيادة العقل، لأنه في العقل يستمر وبالعقل يُستشعر.. والإنسان باق إلى أن يشاء الله مهما بالغ الناس في ادعاء موته وسيادة الآلة.. والتاريخ ماضٍ لا يموت.. إنما يموت من يظن أنه مات!

والإسلام بتوصيفاته المختلفة؛ الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية.. إلخ، يؤكد حضوره وعمقه وحاجة البشرية إلى التفاعل معه، وهذا ما يعلنه القاصي قبل الداني.. ولعل الكثير يلاحظ ذلك الكم المتزايد في الغرب من الدراسات التي تحاول أن تقرأ الإسلام قراءة جديدة، قراءة خارجة عن التصورات التقليدية التي كرستها عهود الصدام التقليدي والمؤسسات الاستعمارية والاستشراقية ومؤسسات الدعاية والإعلام الكبرى التي كانت ترمي إلى تحقيق أهدافها بتشويه صورة الإسلام عالمياً. ولعلنا (لو تأملنا) ندرك أن معظم المادة التي تستثمرها المؤسسات الإعلامية المغرضة، إنما تستقى من الاتجاهات المغالية والمتشددة، التي تلقى دعماً غامضاً لتستمر في تقديم صورة دموية عنيفة للإسلام وهو منها براء! إضافة إلى الصراعات العنيفة بين المسلمين أنفسهم والتي تُلبس سعيها نحو السلطة لباساً دينياً مؤدلجاً.

قد تبدو الأدلجة أكثر سهولة وتقبلاً على المستوى العام، وقد تكون عملية تثوير الوعي ونشره عملية معقدة وبالغة الصعوبة.. ولكننا على ثقة من أن الوعي سينتصر على الإيديولوجيا، والقرآن الكريم ينتقد الإيديولوجية بوضوح لا لبس فيه: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ} [الحديد: 57/16]، وما تأكيد القرآن الكريم على العقل والتأمل والتفكير والتدبر إلا دعوة إلى الوعي، والأمثلة أكثر من أن تعد وتحصى!

والاجتهاد موقف إسلامي بالغ الأهمية إلى درجة أن صفة الإسلام ترتبط بالاجتهاد، والمسلم بحد ذاته يقترب في تعريفه إلى المجتهد، وإن كانت المسألة مرتبطة بشرط العلم وضوابط منهجية صارمة، فهذا الارتباط لا يحول بين المسلم والاجتهاد، بقدر ما يؤكد أن الاجتهاد أمر دقيق ومسؤول؛ لا مجال للتلاعب فيه، ولا لغرض الأهواء والنزعات والأمزجة. والدعوة الصريحة إلى الاجتهاد والتجديد إنما تصب في إطار الوعي ومقاومة الأدلجة.

هذا الحوار ما هو إلا خطوة على الطريق الطويل.. ولكنها خطوة كبيرة وتتطلب جرأة كبيرة لا يمتكلها إلا الواثقون الذين يبحثون عن الحقيقة، والذين يدركون أن الطريق إليها ممتد طويل {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً} [الإسراء: 17/85].

وفي الختام لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر والتقدير للأستاذين الدكتور البوطي والدكتور تيزيني على اهتمامهما، آملين أن يكون هذا الحوار فضاء لحوارات أكثر زخماً وامتداداً بين القراء، فمع حرص المفكرين على تقديم الصورة متكاملة والرؤية صافية وجاهزة للاستقبال، آثراً في هذا الكتاب أن يتيحا الفرصة للقارئ كي يعمل الفكر ويجتهد لالتقاط الثمين.. فالأفكار في متناوله وما عليه إلا أن يقرأ ويتمعن ويحلل ويستخلص النتائج.

كما نرجو أن تكون هذه الحلقة أيضاً مادة لإثراء الأفكار من خلال الدراسة والتحليل، ونرحب بأي تعقيبات أو تعليقات تردنا من الباحثين والدارسين والقراء، والله من وراء القصد

عبد الواحد علواني

المحرر

الصفحات