أنت هنا

قراءة كتاب الإسلام والعصر تحديات وآفاق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإسلام والعصر تحديات وآفاق

الإسلام والعصر تحديات وآفاق

كتاب " الإسلام والعصر تحديات وآفاق " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9

فهذا هو المجتمع الذي يتحرَّك فيه (الإسلاميون) سعياً إلى فرض خِلْعَةِ (النظام الإسلامي) عليه!..

صحيح أنه ليس مجتمعاً جاهليّاً كالذي كان أيام بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ولكنَّ فيه من التَّشاكس وتراكم التَّناقضات الفكرية والنَّفسية، بالإضافة إلى سلطان التَّيارات الوافدة ما يفرض ابتداء منهج الدَّعوة الإسلامية فيه من أول الطريق، ويجعله يرقى في عمل الدُّعاة إلى قمة معاني الجهاد.. وهذا يعني أنهم لابدَّ أن يعودوا بحكم الضرورة إلى النَّهج ذاته الذي سلكه رسول الله r، عندما أقبل إلى ترسيخ القواعد الأساسية الأولى للمجتمع الإسلامي.

إن هذا المجتمع الملوّن في أفكاره، والمتنوّع في آماله وأحلامه، والمتعارض في سلوكات أفراده، سرعان ما يستجيب للنِّداء الذي يعود بأفراده إلى الجذور ويقف بهم على المعين(وهما موجودان بحمد الله) والذي يضعهم من فطرتهم أمام مرآة الذّات؛ بشرط أن يصادفوا منادياً يناجيهم بلوعة قلبه، لا بفنّ لسانه، يشعل بين جوانحهم جذوة إيمانهم بالله، ويحيي في قلوبهم كوامن عبوديتهم له، ويعيدهم برائع أخلاقه وسلوكه إلى سيرة محمد رسول الله.. يوقظهم شيئاً فشيئاً إلى ذكر دائم لله، ويسقيهم قطرة فقطرة شراب محبّة الله، ويصرفهم من صور الدّنيا إلى مكنون جمال الله عزّ وجلّ.

وأجل.. فليس بين واقع هذا المجتمع وبين أن يتحوَّل أفراده فيستجيبوا لهذا النِّداء، سوى أن يكون المنادي (بكلمة جامعة لكل ما ذكرت) مخلصاً لله عزّ وجلّ، وأن يكون المخاطبون بالنِّداء متحرِّرين من كبريائهم وما قد يتفرَّع عنها من الأنانيّة والعصبيّات.

وعندما يوقظهم هذا النِّداء، ويفعل في كياناتهم فعله، فإن المعنى التقليدي للإسلام، يختفي ويذوب، ليحلَّ محلَّه حضور إسلامي فعّال، يهيمن على عقولهم، ويلهب كوامن وجدانهم، وتنحلُّ عندئذ العقد النَّفسية لدى الشّاردين والتّائهين، ويصحو أولو الشَّهوات والأهواء من سكر رغائبهم، وقد أدركتهم منها السآمة والملل.. وإذا الكلّ قد تلاقوا مجتمعين أمام مرآة الذّات، متعارفين بين يدي نسب عبوديَّتهم لله، يبحثون عن أُنس قلوبهم في تلاوة كتابه وتدبُّر وصاياه وحِكَمه وأحكامه.. وكما قلت: لن يشذَّ عن هذه الاستجابة ـ بالشروط التي ذكرتها في شخص الداعي ـ إلا مستكبر على الله معاند للحق، مستسلم لسلطان عصبيّته.

وعندما تسمو بهم التَّربية الإيمانية إلى هذا المستوى، فلا حاجة عندئذ إلى من يذكرهم بضرورة الانقياد لشرعة الإسلام ونظامه.. إذ إن مشاعر عبوديتهم لله تذكِّرهم بضرورة البحث عن واجباتهم تجاهه.. وتلاوتهم لكتاب الله تعرّفهم بتلك الواجبات، وتعظيمهم الدّائب لله يدعوهم إلى القيام بها وإلى الانقياد لها.. أما الدُّعاة والمرشدين، فلن يبقى عليهم حينئذٍ إلا واجب التعليم والبيان، وكشف الغوامض وإزالة الشُّبهات.

إذن.. من أين تنبثق التَّحديات التي يشيع الحديث عنها اليوم

نعود إلى حال المسلمين اليوم بما يتصف به من تشاكس واضطراب.. وإلى النَّهج الذي يصرُّ أكثر (الإسلاميين) اليوم على اتِّباعه، وهو التَّوجُّه مباشرة إلى فرض أحكام الشريعة الإسلامية عليهم، أي بعيداً عن تعبيد السَّبيل إلى ذلك، والمتمثِّل ـ كما قلنا ـ في العود بهم إلى الجذور وأخذهم بالوسائل التَّربوية التي ذكرنا طرفاً منها، نعود إلى هذا الواقع لنتساءل:

من أين تنبثق التَّحديات التي تواجه هؤلاء المسلمين اليوم، والتي يقوم ويقعد بالحديث عنها والشّكوى منها شتى فئات الباحثين والمثقَّفين، بمن فيهم كثير من الإسلاميين أنفسهم؟..

إن ما قد ذكرته يوضح بجلاء أن سلطان هذه التَّحديات إنما ينبثق غالباً من الحال الداخلية والنفسية، التي يمرُّ بها المسلمون اليوم، وليس آتياً من قهر حضاري أو تيّار فكري أو اجتماعي ضاغط ووافد من الخارج.

إن الخليط الذي تتألَّف منه تركيبه مجتمعاتنا الإسلامية اليوم، يعاني، في مجموعه، من فراغ (إيديولوجي) إن جاز التعبير.. ومن ثم فإنه يعاني من حالة استسلامية تجعله معرّضاً لقبول كل ما يفِدُ إليه، بل كل ما يمرُّ به..

هنالك ثوب ذو رقع متنافرة شتى، من أحلام الأفكار والإيديولوجيات المختلفة، يرتديه خليطنا الاجتماعي هذا. ولكنه في الحقيقة ليس أكثر من مظهر أو ترجمة دقيقة للفراغ الذي يعاني منه.

إن هذا الفراغ من شأنه أن يورثه، كما قلت، قدراً كبيراً من الاستسلام للتيارات والاتجاهات والمذاهب المتنوعة الوافدة، ونظراً إلى أنها تيارات واتجاهات مختلفة، فلابدَّ أن يكون الاستسلام لها انتقائيّاً وهو الذي يزيد المجتمع ـ بحكم الفراغ الذي يعاني منه ـ تصدُّعاً وشقاقاً.

إن هذا الفراغ الباعث على هذا الشكل من الاستسلام، هو مصدر عجز المجتمع عن الانقياد (في هذه المجال) لنظام الشريعة الإسلامية وأحكامها. وهي كما قلنا حالة عائدة إلى المعاناة النفسية ومن ثم الفكرية التي تستبدّ بكثير من أفراد مجتمعاتنا الإسلامية اليوم، أي إن سلطان التَّحدي في هذه المستجدّات الوافدة ليس منبثقاً من ضرورتها أو زخم فاعليتها، ولا من ظروفنا المصلحية الدّاعية إليها.. ولكنه منبثق عن عجزنا عن اتّخاذ القرار المتّفق مع معتقداتنا ودستور حياتنا. وذلك لسبب واضح، هو أننا ـ في مجموعنا ـ لا نملك معتقدات جامعة فعالة. ومن ثم فإننا لا نصدر في أعمالنا وشؤوننا عن مبدأ جامع راسخ يقود حياتنا.

الصفحات