قراءة كتاب حرية النشر و إشكالية الرقابة على الفكر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حرية النشر و إشكالية الرقابة على الفكر

حرية النشر و إشكالية الرقابة على الفكر

كتاب " حرية النشر و إشكالية الرقابة على الفكر " ، تأليف محمد عدنان سالم ، والذي صدر عن دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2

من حرية الفكر إلى حرية النشر
1- كفاح الإنسان من أجل حرية التعبير
منذ هبط الإنسان إلى الأرض لم يكن فيها شيئاً مذكوراً، حتى ارتيادِه الفضاء يرنو ببصره إلى السماء؛ ما زال يكافح من أجل حرية التعبير عن آرائه.
ظلت أفكاره ردحاً من الزمن حبيسة ذاكرته، يضن بها وبخبراته أن تموت بموته، فحاول نقلها إلى أبنائه وبني جنسه بالإشارة أولاً، فكانت الإشارة أول وسائله للتعبير. وعندما عجزت الإشارة عن نقل معلوماته التي أخذت تتضاعف، وشعر أن ذاكرته ضاقت عن استيعابها، وقد باتت عرضة للنسيان، أخذ يبحث لها عن ذواكر خارجية يضيفها إلى ذاكرته، لتوثيقها من جهة، ولنقلها إلى الأجيال الآتية من جهة أخرى، فاستخدم الصوت ليصل به إلى اللغة المحكية، واستخدم النقش ليصل به إلى الحرف والكلمة المكتوبة؛ فكان الكتاب المخطوط. ولما عجزت يده عن استيعاب معلوماته المتنامية، اخترع الطباعة التي حوّلت الوراقين إلى ناشرين.
وما زال الإنسان كلما ضاقت أوعيته لحفظ المعلومات عن الاستيعاب، يبحث لها عن أوعية جديدة. وها هو ذا في عصر المعرفة والتفجر المعلوماتي، ينتقل بالكلمة تدريجاً إلى أوعيتها الإلكترونية الجديدة.
لم يعرف التعبير؛ محكياً كان أو مكتوباً أو مصوراً، أي قيود على حريته، قبل أن تنتظم المجتمعات الإنسانية تحت سلطة ما، من القبيلة إلى الدولة.
وبهذه القيود أصبحت الكلمة مسؤولة مسؤولية مزدوجة، تخضع فيها لرقابة المجتمع وأعرافه تارة، ولرقابة الدولة وقوانينها تارة أخرى.
وقديماً قالوا: ما كل ما يُعلم يقال. وقال رسول الله r: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر". [رواه أبو داود وابن ماجه].
* أنبياء الله كانوا أول المكافحين من أجل حرية الرأي وحرية التعبير، ومارسوا تبليغ أفكارهم والصدع بها واجباً يؤدونه، وليس مجرد حق يستجدونه، وتحملوا في سبيل ذلك أشد صنوف الأذى والتعذيب والطرد والتهجير {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ *} [إبراهيم: 14/9] .
المجتمعات الراكدة هي التي تصدت للأنبياء؛ كراهية للتغيير، وتشبثاً بالموروث من فكر الآباء؛ تستميت في الدفاع عنه، فيصبر الأنبياء ويحتملون الإيذاء، ويكشف نوح عن صدره صارخاً في قومه: {ياقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلاَ تُنْظِرُونِ} [يونس: 10/71] .
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف: 12/110] .. تلك صور من كفاح الأنبياء دفاعاً عن حرية التعبير في مواجهة مجتمعات الركود والتخلف.
ولم يكن الأنبياء أقل تصدياً لأنظمة الاستبداد السياسي، وتعرضاً لبطشها: تكذيباً ومطاردة ونفياً وتعذيباً.
ويرسـم القرآن العظيم لنا صورة معبرة لمصادرة الـرأي السياسي، هي صـورة موسـى في صراعه مع فـرعـون {إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوَىً (*) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (*) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (*) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (*) فَأَراهُ الآيَةَ الْكُبْرَى (*) فَكَذَّبَ وَعَصَى (*) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (*) فَحَشَرَ فَنادَى (*) فَقالَ أَنا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات: 79/16-24] .
ويحاول فرعون أن يضفي على استبداده صفة البحث العلمي، فينادي {يَاأَيُّهَا الْمَلأَُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 28/38] .
ومن مقام الربوبية الزائفة يعلن فرعون استئثاره بالرأي وتفرده بالتفكير نيابة عنهم {مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر: 40/29] .
وفي خطوة أشـبه ما تكون بمسرحيات الاسـتفتاء على الـزعامة؛ ينادي في قومه {يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} [الزخرف: 43/51] ، {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف: 43/54] ..
إنها دعوة قرآنية صارخة للمجتمعات كي تدافع عن حقها في التعبير عن رأيها، ولا تستسلم، نجد أروع تطبيقاتها في حديث عبادة بن الصامت: "بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره.. وعلى أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم" [متفق عليه].
كما نجد الارتقاء بها من مرتبة الحق الذي يمكن للإنسان أن يتنازل عنه، إلى مرتبة الواجب الذي عليه أن يؤديه، ليكون له رأيه الخاص، وشخصيته المستقلة، وذلك في حديث الرسول r: "لا يكن أحدكم إمعة يقول: أنا مع الناس؛ إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساؤوا أسأت، ولكن وطِّنوا أنفسكم؛ إذا أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم".
والتاريخ الإنساني بعدُ، مليء بصور من كفاح العلماء للتعبير عن آرائهم وكشوفاتهم العلمية، في مواجهة محاكم التفتيش التي نصبت لهم، لإثنائهم عن إعلانها، وما خبر غاليليه- ورجوعه عن إعلانه دوران الأرض حول الشمس، إنقاذاً لرقبته من المقصلة- بخافٍ على أحد من أهل العلم.
لكن ذلك لم يمنعه عند عودته إلى بيته من أن يضرب الأرض بـرجله وهـو يصيح بها: "والله إنك لتدورين".
 

الصفحات