قراءة كتاب حرية النشر و إشكالية الرقابة على الفكر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حرية النشر و إشكالية الرقابة على الفكر

حرية النشر و إشكالية الرقابة على الفكر

كتاب " حرية النشر و إشكالية الرقابة على الفكر " ، تأليف محمد عدنان سالم ، والذي صدر عن دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8

7- المقررات المدرسية شكل من أشكال الحجر والانتقاص من حرية النشر

مناهجنا التعليمية ربطت طلابنا بالمقررات الدراسية ومختصراتها، فقتلت لديهم روح البحث وصرفتهم عن المطالعة خارج المنهاج، وكرهت إليهم القراءة والكتاب، حين حصرت هدفهما بالامتحان والشهادة، تنتهي الحاجة إليهما وتبدأ القطيعة معهما بالنجاح في الامتحان وتحصيل الشهادة.

إن مناهج التربية والتعليم؛ هي المسؤولة عن غرس عادة القراءة لدى الطالب من أجل بناء مجتمع قارئ. وهي القادرة على تكوين القارئ النهم، الذي يعد الكتاب حاجة أساسية لتنمية عقله وفكره، مثلما الرغيف حاجة أساسية لنماء جسده، بل هو يشعر بأن معدته محدودة؛ إذا استقبلت من الرغيف أكثر من حاجتها أصيب بالتخمة، أما عقله فغير محدود يلتهم كل ما يقدم له من زاد المعرفة، ويقول: هل من مزيد؟!

فإن هي أرادت أن تستخدم طاقتها في بناء الإنسان القارئ، أقبلت عليه منذ الصغر؛ توسع مداركه، وتفتح له آفاق المعرفة، وتغريه بها مستغلة ما فطر عليه من حب الاطلاع، والسعادة بتَعرُّفِ المجهول، فتطارحه الأسئلة وتدفعه للتساؤل، ثم تضع بين يديه المراجع والمصادر، وتتركه يواجه تعب الولوج إليها، ويعاني مشقة البحث فيها، وينتابه الإحباط تارة والأمل أخرى، حتى يظفر بما يريد، وتغمره السعادة بما حصل عليه بجهده وتعبه وسهره.. عند ذلك ستقوم بينه وبين الكتاب ألفة ما بعدها ألفة، وسيشعر أن حياته مدينة للكتاب، وأنه لا يستطيع أن يعيش من دون كتاب يصطحبه معه كل حين، يحيي به كل وقت انتظار فيزهق ملله، ويخصه بساعات من وقته يخلو بها معه.

أما إذا أرادت أن تضرب به مثل السوء، وتذهب به خارج دورة الحضارة، فتصرفه عن عادة القراءة، وتبغضه بالكتاب، وتشغله بسفاسف الأمور، فإنها تعمد إلى ربطه بالمقررات، وصرفه عن المراجع، وقتل روح السؤال والتساؤل لديه، وإراحته من عناء التفكير ومشقة البحث، فها هو ذا الكتاب المقرر بين يديه، قد احتوى علم الأولين والآخرين، وما عليه إلا أن يقرأه آناء الليل وأطراف النهار حتى يحفظ كل حرف فيه، ويصبه في ورقة الامتحان صباً، فينال الشهادة، وتنقطع بها صلته بالكتاب، بل يصبح الكتاب أبغض شيء إليه، لأنه كان الضيف الثقيل المفروض عليه، وها قد انتهت حاجته إليه.. أفتراه يبحث عن نظيره ليعكر عليه صفو هدوئه؟

والمناهج عندما تمارس هذا الدور، تلغي كل دور لمكتبة المنـزل أو المدرسة، ولحصة المطالعة، ولواجب المطالعة الحرة، ولحلقة البحث، وتصنع من الكتاب أعدى عدو للإنسان.

ولقد كانت للمملكة العربية السعودية في ثمانينيات القرن الماضي؛ تجربة رائدة استطاعت من خلالها أن توجه حركة النشر في الوطن العربي، وتضبط إيقاعها، فقد طلبت من كل ناشر عربي أن يزودها بنسخة من جديده، تخضعها للتقويم، فإن هي فازت زودت بها مكتباتها المدرسية بكميات متفاوتة، تصل إلى أكثر من 15000 نسخة للكتب التي تلائم المرحلة الابتدائية، وأكثر من 5000 نسخة لمكتبات المرحلة الإعدادية، و 2800 نسخة لمكتبات المرحلة الثانوية، ولم تكن اختياراتها عشوائية ولا منغلقة، فقد اختارت على سبيل المثال:

الكثير من حلقات سلسلة ليديبرد للمكتبات الابتدائية، وكتاب شروط النهضة لمالك بن نبي لمكتبات مدارسها الثانوية، ثم عصفت بالمشروع أزمة عارضة، لم ير النور بعدها..

لم تنج الكلمة من سيف الرقابة المسلَط يوماً.. منذ أيام العرب الأولى في سوق عكاظ، حيث كان الشعراء ينشدون أشعارهم، وكان النقاد لهم بالمرصاد يسلقونهم بألسنة حِداد، مروراً بالمتنبي كبير شعراء العصر الإسلامي الذي ألَّفوا في نقده وسرقاته ومشكل شعره كتباً. وانتهاءً بسفّود الرافعي الذي شوى العقاد به على النار، وبرسالة الزيات التي كنا نتتبع عبرها المعارك الأدبية المحتدمة بين كبار الأدباء أواسط القرن الماضي؛ نتفاعل معها ونشارك فيها شجباً وتأييداً.. ثم خبا بعد ذلك كل شيء: هدأت المعارك الأدبية، وخفتت أصوات النقد، وسادت ثقافة البعد الواحد، واللون الواحد؛ لينشأ في ظلهما جيل الاسترخاء الفكري والعزوف القرائي والتواكل.

الرقابة كانت وما تزال حاضرة في كل زمان ومكان، ولكن شتان بين رقابة يديرها المجتمع في العلن وعلى رؤوس الأشهاد، ورقابة تتولاها السلطة في الخفاء داخل الدهاليز المغلقة، وإن بين الرقابتين لبوناً شاسعاً في الشكل والآليات من جهة، وفي المضمون والحصاد من جهة ثانية.

ومع أن رقابة المجتمع تنطلق من الحفاظ على قيمه وتقاليده وأعرافه، مما يعيق عملية التجديد وطرح أفكار جديدة تتجاوز المألوف؛ فإنَّ تجاوزها واختراقها مرهون بقدرة صاحبها على الحوار والإقناع.

أما رقابة السلطة فمرهونة بنوع هذه السلطة؛ ديمقراطية تستند في حكمها إلى الشعب وصناديق الاقتراع، فتقترب بذلك من رقابة المجتمع وتحقيق مصالحه وتطلعاته، أو فردية أحادية توجه رقابتها إلى حفظ النظام واستقراره؛ من الصعوبة بمكان تجاوزها، وهذا التقسيم بين ديمقراطي وفردي ليس حدياً، فقد يقترب أحدهما من الآخر، فيصوغ أنظمته الرقابية بحسب درجة اقترابه.

وعلى صاحب الكلمة أن يتلمس مدى قدرته على تحمل مسؤوليتها الاجتماعية والقانونية قبل أن يعبر عنها.

الصفحات