كتاب " حرية النشر و إشكالية الرقابة على الفكر " ، تأليف محمد عدنان سالم ، والذي صدر عن دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع .
قراءة كتاب حرية النشر و إشكالية الرقابة على الفكر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
حرية النشر و إشكالية الرقابة على الفكر
5- حرية الرأي وأزمة صناعة النشر
تُعد صناعة النشر أحد أهم المعايير التي يقاس بها المستوى الحضاري لشعب من الشعوب، فمن فحص الإنتاج الفكري، ومعدلات النهم القرائي لأي مجتمع في حقبة ما من أحقاب تطوره؛ يمكن تحديد المرحلة الحضارية التي يجتازها هذا المجتمع صعوداً في معارج التحضر أو انسحاباً من ميادينه.
وقد غدت دور النشر أحد أهم مصانع المعرفة، إلى جانب الجامعات ومراكز الأبحاث، في عصر المعلومات وثورة الاتصالات؛ الذي تتحول الإنسانية إليه الآن بسرعة مذهلة.
فأما الإنتاج الفكري، فقد تولى تقرير التنمية البشرية لعام 2003، تزويدنا بأرقامه التي تضعنا في أسفل سلم الإنتاج الفكري العالمي.
وأما المعدل القرائي فقد وضعنا التقرير في المرتبة ذاتها، إذ يقرأ الكتابَ الواحد واحدٌ من كل ثمانين عربياً، بينما يقرأ كل إسرائيلي أربعين كتاباً في السنة، لتصبح المعادلة أن الإسرائيلي الواحد يقرأ ما يقرؤه 3200 عربي، وهو ما يفسر لنا السبب الأهم من أسباب تخلفنا وانهزامنا، كما يفسر لنا أسباب ضعف صناعة النشر في الوطن العربي، فهي تعمل على إنتاج سلعةٍ لا رواج لها ولا طلب عليها.
أما تقرير التنمية الثقافية لعام 2008 فإنه يشير إلى نوع من التراجع في مستويات استهلاك الصحف داخل الوطن العربي بين عامي 1996 و2003، فقد كان متوسط توزيع الصحف اليومية في عام 1996 (78) نسخة لكل ألف مواطن عربي، ثم انخفض إلى (50) نسخة فقط في عام 2003.
في حين بلغ متوسط عدد النسخ لكل ألف مواطن في كوريا الجنوبية (394) نسخة. علماً بأن سكانها يشكلون 16% من سكان الوطن العربي.
- على حين أنه في محور التلفزيون الفضائي ارتفع عدد القنوات الفضائية التي تبث باللغة العربية حتى منتصف 2008 إلى (482) قناة مفتوحة غير الباقات المشفرة، أي إن هذا الميدان يشهد نمواً سريعاً لدرجة فائقة.
-ويوضح التقرير أن المواقع الإعلامية على الشابكة (الإنترنت) تحظى بأعلى معدل استخدام بنسبة 28%، تليها مواقع الدردشة بنسبة 15%. ويُعَدُّ الدافع الأول لدخول المواطن العربي على الشابكة هو الترفيه والتواصل بنسبة 46%، ثم بدافع التماس المعلومات بنسبة 26%.
وكشف التقرير أن العدد الإجمالي لمنشورات الوطن العربي من الكتب خلال عام 2007 بلغ (27809) عناوين، أي بنسبة كتاب واحد لكل 11950 مواطناً، مقابل كتاب واحد لكل 491 مواطناً بريطانياً.
ويشير التقرير إلى أنه بينما يبلغ مجموع المؤلفات في الأدب والديانات 48% من إجمالي الكتب في السنة نفسها، فإنه لم يتجاوز ما نشر من العلوم التطبيقية والنظرية 12%،كما بلغ إجمالي الكتب المترجمة في اللغات الأجنبية عام 2007 نحو 1261 كتاباً، أي 4.5% من إجمالي المنشور. ومن باب المقارنة أنتجت بريطانيا عام 2007 نحو 118000 عنوان جديد، أي ما يعادل أكثر من أربعة أضعاف الإنتاج العربي.
يعزو الكثيرون أسباب العزوف القرائي في الوطن العربي إلى ارتفاع نسبة الأمية فيه، وإلى ضيق ذات اليد، وذات الوقت، وتعقد سبل الحياة، وانتشار وسائل الإعلام المسموعة والمرئية.
ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك فيرى هجر الكتاب والقراءة طبعاً متأصلاً فينا نفضل بموجبه الثرثرة الكلامية على الكلمة المكتوبة الموثقة.
وأرى ذلك كله أسباباً سطحية لا تلامس جوهر المشكلة، فضلاً عن مجافاتها للحقيقة وللواقع.
فلقد قرأنا- ونحن أميون- المخزون المعرفي الإنساني، نشتاره من كل حدب وصوب، ثم نعيد إنتاجه معالجاً ومضافاً إليه ومطبوعاً بقيمنا وثقافتنا ومنطلقاتنا لنبني به أسرع حضارة في التاريخ كانت ملء السمع والبصر.
تم ذلك على وقع نداء ، ومناخ الحرية الذي وفرته لنا ثقافتنا الإنسانية المنفتحة على ثقافات العالم.
ولقد كنا نقرأ، قبل أن يكون عندنا تعليم إلزامي، وثقافة إلزامية.. كنا يومها نحترم الكتاب والكلمة والحرف إلى درجة القداسة؛ نضن بالكلمة أن تقع على الأرض، فإن هي وقعت رفعناها وقبَّلناها ووضعناها في حرزها.
وكان للكلمة عندنا معناها ومغزاها وفاعليتها كالقسم، لا يجرؤ أحد على الحنث به، فإن هو فعل فَقَدَ احترامه في المجتمع الذي كان يعد التزام الإنسان بكلامه من الرجولة.
وكنا- نحن الناشرين- أواسط القرن الماضي، نستقبل قارئاً يبحث عن جديد، وكان ذلك يحثنا على إنتاج الجديد، الذي ما يلبث- بدوره- أن يصبح قديماً، لسرعة تلقفه، وانتشار خبره، تداولاً له بين القراء، ونقداً له في الصحافة وأندية الثقافة.
ثم آل الأمر بنا- أواخر القرن- إلى أن أصبحنا ننتج جديداً يبحث عن قارئ، ثم نجتر قديمنا الذي بات بمنزلة الجديد؛ يستويان معاً في مجتمع الركود ونضوب الإبداع.
ما الذي تغير، فعاجَلَ حركة النشر العربي في صباها وأعاقها عن النمو؟!
ما الذي أفرغ التعليم من مضمونه، وحرفه عن مقصده، ليخرج لنا أجيالاً من مستظهري المقررات المدرسية، بدلاً من بناء أجيال من الباحثين المتقنين لتحصيل المعلومات من المراجع والمصادر؟!
ما الذي أفقد الكلمة قوتها، وشلَّ فاعليتها، وفصمها عن معناها ومغزاها؟!