كتاب " جنكيز خان الأنوثة والسيف " ، تأليف نعيم عبد مهلهل ، والذي صدر عن دار نينوى للدراسات وا
أنت هنا
قراءة كتاب جنكيز خان الأنوثة والسيف
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
أنا أفتش عن قصدٍ يرتبط بأزمنةٍ أود استحضارها، أزمنة التيه الصارم، والصوت الحالم بامتلاك العالم بطريقة يراها مناسبةً لطموح روحه التي لم تعرف التدوين بقدر ما تعرف اختراق الخاصرة. ولهذا كانت مدونات الإرث المغوليِّ كلها مصبوغةً بلونٍ قانٍ من احمرار ساحات الحرب والذهاب إلى جهاتٍ مجهولةٍ يأتي اكتشافها لاحقاً.
كان أجدادي المغول يذهبون إلى الأراضي الجديدة دون كشافين. يأخذون الشمس شمالاً والنجم القطبي يميناً ويقربون لحظة الشروع مع أول خيوط الفجر، ويهلهلون بصراخٍ مبهمٍ لا يمت لأناشيد الحرب بصلةٍ ويقال إنَّه صوت ورقة الصبير الكبيرة حين يضربها سوط الرمل في الصباح العاصف، ولهذا كانوا ينتصرون. ويحولون انتصاراتهم إلى نيرانٍ مشتعلةٍ في قلب الحضارات، إلى الحدِّ الذي أمسكتْ الهدايةُ أحدَ ملوكهم وصار مسلماً.
في قريتنا البعيدة وراء شهقة الحسرة وعيون أطفالي وهم ينتظرون خطوات القادمين، كما تنتظر الأرض العطشى مُزْنَ المطر الباردة. السماء هي الفسحة التي نأوي إليها كلما شعرنا بضيق وطلبنا الحاجة المستحيلة. أن لا يصيب جنون البقر دوابنا، وأن يثمر الملح بلحاً كثيراً وان لا تُصْبَغَ الأرض وتصيرَ بيضاء كالثلج ونطلب منها أيضاً مزيداً من الأطفال.
ورغم هذا أفكر بما أتمناه، أن أنزوي بعيداً عن رتابة العيش اليومي بين ثغاء الغنم ورائحة الروث والحليب وسذاجة صديقي (تشوبان) وهو يُقرُّ بأن مغوليته التي رحلت مع سيف جده العظيم (قبلاي) ستعود ثانية بمركبة فضاءٍ.
لقد قرأت الكثير من هذه النصوص المدونة على جلود الحيوانات أو في ورقٍ يكاد يبلى من نسمة الريح. الأشعار المكتوبة كأنها بحةٌ تلعن الجمال وأخرى تتغنى به. الأمثال التي تتحدث عن سلطة القوة حين تقول أول خطوات الحكمة والسيف حين يحسم الأمر والأغاني ينبعث منها صدى موسيقى مبعثرةٍ كقول إحداها:
((كَسرتُ الناي تحت شفتيكِ، لأنك لم تسقي حصاني القادم من المعركة الماء، ولم تطعميهِ العشب. اسمعي: لا أحبكِ، وحصاني غاضبٌ منك.))
الحكم في مدوناتهم رهناً بالقوس والنشاب، وقوسُ قزحٍ شارب قائد الفصيل. والحجر القرمزي، يقرر حسم اختيار العشيرة لعرافٍ جديدٍ، فيما وتد الخيمة عند المغولي روحه التي تجابه عاصفة الليل.
عَالَمٌ من الأفكار المطلقة بحدود الرؤية الواحدة (السيف وقطرة الدم، ومداعبة صهيل الخيل وهي تبحث عن الأرض الجديدة).
أقضي أيامي جوالاً بين القرى في مقاطعة (زوداي). أتنقل بين بيوت من أعتقد أن لديهم خزيناً من موروث الأمس، فأقابل بالرضى أو الصد أو الحذر.
المغولي الأولُ كان يفكر بنظراته ثم عقلهِ. إنَّ الصحراءَ تصنعُ الحدس في العيون قبل أن تصنعه في القلب. بعضهم لازال يرث مثل هذا الهاجس ولهذا يتعاملون مع رغبتي بالحصول على المدونة من خلال نظرة العين وهذا ما كنت لا أتوقع منه استجابةً سريعةً إلى الحدِّ الذي يحاول أحدهم دفعي عن بيته وخيمته بيديه وبقوةٍ مع صراخٍ مفتعلٍ من أنني ربما أريد أن أجلب له لعنةً ما إن أنا أطلعت على ما لديه من طلاسم أو قرطاسٍ تبدو معانيه مهمةً بالنسبة له، حتى لو كانت دعاء كتبٍ بثقافة بربرية الأمس قبل أن يسكن هجاء المعرفة روح ( طوسون بن قبلاي)، أو ( إختمار اوتن ) قائد الجناح الأيمن للجيش المغولي وهو يحاصر (بغداد) قبل دخولها وإحراق كلّ شيءٍ فيها، حتى حانوت الجاحظ ومستشفى الرازي وبيت المال.
علي أن أَدْلُف الريفِ الأوزبكيَّ وأمشي حتى خوارزم أبحث في ما تركه الغيم على ذاكرة الأصل الذي أنتمي إليه، وحتما ثمَّةَ اسم سيشدُّني إلى معرفة ما أعتقده سرَّاً، جعل الذي أريد أن أكتشف ما تحت أجفانه، والذي أحمل اسم أكبر أبنائه.
(جنكيزخان). إمبراطور (التتر). والصوت الذي أوصل حُلْمَ الجياد إلى أطراف الأرض التي لم يصلها ضوء النظرة المنغولية.