أنت هنا

قراءة كتاب جنكيز خان الأنوثة والسيف

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
جنكيز خان الأنوثة والسيف

جنكيز خان الأنوثة والسيف

كتاب " جنكيز خان الأنوثة والسيف " ، تأليف نعيم عبد مهلهل ، والذي صدر عن دار نينوى للدراسات وا

تقييمك:
4.5
Average: 4.5 (2 votes)
الصفحة رقم: 5

أتخيل المغول وهم يذهبون إلى أمكنة لا يعرفونها. مدنٌ بقبابٍ وجوامع وأسوارٍ وحماماتٍ وحاناتٍ من آرابسك معطرٍ بالصندل. وهناك الإناث الروميات والشركسيات والأرمنيات والفارسيات والعربيات اللائي تغلب عليهن السمرة المدهشة.

هناك الرياض المصنوعة بهندسة الأسيجة والأسواق المغطات بالقرميد الأحمر، وهناك واجهات بريق المعادن حين تعكس بريقها على عين المغولي الصغيرة فتتسع بشهوةٍ عجيبةٍ تحثهُ على الاندفاع لبقر بطن الذي يراه أمامه.

يقول الشيخ الراوندي في الدرس الرمضاني بشتاء القرية.

وهناك كانت المدفئة تشع في وجه (أوقتاي) رغبةَ السماع، ومن ثم التخطيط لشيءٍ هو في أمنيته استحضاراً لروح من أخذ بخيولِ وأحلامِ المغول إلى مدنٍ لم ترها الأسلاف سوى بحجر العرافة وكانت مدناً لا تُرى جيداً.

يقول الشيخ بصوت رَخِيْمٍ: (الروح المغولية الأولى روحٌ يُسيِّرها صوت السيف، وخبب الخيال. وحكمةٌ لم تكتمل صورتَها ولكنها كانت دعوةً للذهاب بعيداً عن القحط وشحّ الكلأ. كان الخان الأول يدرك في ليله رغبة انتقال روحه إلى أمكنةٍ أخرى ليكتشف لقومه البن والشاي والخمرة المدهونة برحيق العنب.

لم يكن هذا موجوداً في بوادي المغول، كانت هناك فقط رياضة الركض وراء الغيومِ. الغيمُ لا يتعب، ولكن أجدادنا كانوا يتعبون ويموتون بصمتٍ.

أطيل النظر في ورقة التاريخ، أتخيل ولادة جنكيز خان. أتخيل لحظة شعوره بالرجولة، وأتساءل: هل كان معها وردة عشقٍ أو عاطفةٌ حنونةٌ؟!

التاريخ لم يذكر هذا، حتى أنَّ رواية ولادته مؤرخةٌ بشكلٍ غريبٍ كالتالي: إنَّ والده كان لديه العديد من الزوجات أكبرهن (ويلون ) والدة (تيموتشجين). وقد ولد (تيموتشجين) «جنكيز خان» في وقتٍ عاد فيه والده من إحدى غزواته المعتادة على التتار وعند رؤيته للمولود قابضاً عند ولادته على نقطة الدم المتخثرة عدَّ هذا بمثابة إشارةٍ للرسالة العليا الملقاة عليه في الحياة كمقاتلٍ، ومصيره في الحياة كفاتحٍ ولهذا أطلق عليه الأعداء اسم الأسير.

إذاً هو لم يكن قابضاً على وردةٍ أو دميةِ خشبٍ حين ولد، بل على نقطة دمٍ متخثرةٍ. وهكذا بقيت هذه الخثرة وشماً على خارطة مجده، وأتمنى أن أكتشف ما يغير من هذه المعادلة الآنية في وجود (جنكيزخان)، اعتماداً على ما قيل إنها رسائل حكيمةٌ وواعيةٌ خطها القائد إلى قواته وولاته وفيها من العضات الكثير.

الليل، وحلم الروي في مُدَّونة ربما أجدها قابعة في خزانةٍ من خشبٍ متهالكٍ، وربما بفم عجوزٍ ينفخ دخان التنباك بعنايةٍ ويقص كما سمع لاكما يعتقد. أو قد أجد المغزى في أغنية راعٍ بصباحٍ على قارعة الطريق.

فالمغول يقولون: (قصصنا كلها مخبئة في خضرة المراعي.)

يتخيل دارس التاريخ الشكل الأسطوري لتفكير الخان المغولي، حين شبَّ وأحس أنه جديرٌ بقيادة قبائله المتعددة الانتماء من بطونٍ شتى.

قال في مقتبل عمره: المرأة تأتي ألف مرةٍ، ولكنَّ المُلك لا يأتي إلا مرةً واحدةً.

اعتبر معهد شنغهاي للدراسات الشرقية أنَّ هذا جزءٌ من حكمة الإمبراطور وعضاته.

كان المغول يُسْكِنون الليل بالخمرة والشواء -المقاتلون كانوا يفعلون هذا- فيما الرعاة وبسطاء القوم كانوا يصنعون ليلهم من حليب الماعز الدافئ ودقيقاً يجمعونه بعنايةٍ من سنابل الوديان وحقول الذرة. وعلى حفلة شواء التيس كان الأمير يفكر ملياً.

غاب عن ذاكرة المغول التخيلات المتحضرة للعالم، لم يفهموا بعد الخرائط والجغرافيا وامتلاك الأراضي ذات الأسوار والصوامع والقباب الشاهقة.

كان عالمهم عبارةً عن كونٍ مفتوحٍ يبدأ بزرقة قاتمة وينتهي إلى بياضٍ لا يفضي إلى شيء سوى رغبةٍ محدودةٍ ودواءٍ عشبيٍّ يمنحه الكاهن لمن يشعر بمغصٍ من لحمٍ نيئٍ، أو حليب ماعز مريضة أو جرحٍ في مبارزةٍ بريئةٍ، وغيرها حيث يطلب المغولي نومةً مع زوجته من خلال الإيماءِ. فقد كانوا لا يتحدثون كثيراً بقدر ما يشيرون كثيراً وحتى حين يداهمهم طقس تعبدٍ خارج الشعور الوثني، كانت الإشارة هي الصلة الواصلة بين الأرض والسماء.

يجلس خان المغول في ليلة اكتمال القمر في واحدٍ من شهور الصيف حيث يختفي الغيم تماماً لتكون جلسته ووجهُهُ بمواجهة الضوء الساطع.

على جانبيه يجلس أمراء القبائل وكبار القوم وبعض الشيوخ من عمداء المغول والفرسان المقربين وبعض من الذين يختارهم الخان من مؤنسيه ومسامريه.

لا مكان للمرأة في مجلس الخان. ولكن بإمكان زوجته ومحضياتها وزوجات الأمراء والقادة أن يكون لهنَّ مجلسٌ للمشاهدة والسماع في خيمةٍ أخرى ليست بعيدةٍ.

ينظر المغول إلى القمر بهيبةٍ وخشوعٍ. تعتقد رؤى (الميثولوجيا) البسيطة التي يمتلكوها أنَّ للقمر فمٌ واسعٌ وبإمكانه ابتلاع كل نائمٍ إذا كان عمله شائن. لهذا يؤشر الخان حال دخوله الخيمة باتجاه القمر ويأمر الجميع أن ينحنوا لهالة الضوء في خشوعٍ متواضعٍ.

يجلس الخان وسط مريديه وقواده، يتقدم العراف مع آنية الماء، ومجمعة حصى وأشكالٍ نحاسيةٍ وخرقةٍ ثم يَبدأ طقوس التبرك اتجاه الضوء فيما يحمل بعض الرجال سنابل يابسةً ينثروا حبيباتها اللامعة على رؤوس الجلوس، عَدَا الخان الذي يتقبل فقط أن يكون على رأسه رذاذ الماء وتمتمات الكاهن المجهولة.

الصفحات