أنت هنا

قراءة كتاب جنكيز خان الأنوثة والسيف

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
جنكيز خان الأنوثة والسيف

جنكيز خان الأنوثة والسيف

كتاب " جنكيز خان الأنوثة والسيف " ، تأليف نعيم عبد مهلهل ، والذي صدر عن دار نينوى للدراسات وا

تقييمك:
4.5
Average: 4.5 (2 votes)
الصفحة رقم: 7

منبهرةً كانت خيولهم، قبل أن ينبهروا هم. وكانت سيوفهم تذهب في أجساد من تلاقيه وتمزق كلَّ الأحشاء، وكانوا يطلقون أصواتاً لم يعرف المسلمون لها أصلاً رغم أنَّهم خَبرُوا وسمعوا كلَّ لغات العالم الموجود ليتساءل أحدهم: (إنْ كان أولئك القوم العابسون جاءوا هابطين من سماءٍ أو كوكبٍ لا يحوي إلا الشياطين؟! .

(ولجنكيز خان) وصفٌ لما فعله في خراب حروبه، كما أتى ذكره على لسان الرحالة (الطنجي ابن بطوطة) الذي شهد الكثير من مدن المغول وجاب فيها، وأشتغل في بعض إيواناتهم قاضياً وخليلاً، ويأتي الوصف على جبروت خان المغول وقساوته في الصفحة /237/ من الجزء الأول من رحلته المسماة (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار):

((ولما وقع القتال هزمهم (تنكيز) ودخل مدينة (أطرار) بالسيف فقتل الرجال وسبى الذرارى، وأتى جلال بنفسه لمحاربته فكانت بينهم وقائع لا يُعلم في الإسلام مثلها، وآل الأمر إلى أن تملك (تنكيز) ما وراء النهر وخرب بخارى وسمرقند وترمذ وعبر نهر جيمون إلى بلخ فتملكها ثم إلى اليامان (الباميان) فتملكها وأوغل في بلاد خراسان وعراق العجم فثار عليه المسلمون في بلخ وفي ما وراء النهر، فكر عليهم ودخل بلخ بالسيف وتركها خاوية على عروشها))

يتذكر المقريزي (المؤرخ الذي عاش بمصر) تلك المحنة، ويكتب مندهشاً من عبوس عيونهم وصغرها وشراسة اندفاع خيولهم مع سيوفهم اللامعة الرفيعة. يكتب عن طرابيشهم الغريبة المكسوة بالفرو، وعن ضفائرها الطويلة ونحافة شواربهم وجبهاتهم التي تلمع بغضبٍ وحماسٍ، فيقول: إنَّ سلطان مصر قرر إيقافهم عند حدِّهم لأنهم إن وصلوا الديار المصرية سيأكلون حتى موتى أهرامات الفراعنة، ولن يبقى بعد ذلك لأزمنة موسى من أثر. فكانت معركة (عين جالوت)، التي كتبت أول هزيمةٍ للمغول مع العالم الإسلامي، وربما تكون هذه المعركة، لحظة التفكير في الذاكرة المغولية، ليأتي بعد ذلك تأثير الدين والتقاليد العربية وليعلن ولاتهم وحكامهم اعتناق الدين الإسلامي، وبهذا يبدأ عهد الدولة المغولية المسلمة الممتدة من (شنغهاي) وحتى (بغداد).

- ملكٌ قاسٍ، ولكنه حين شاهد العالم يفتح مسافاته أمام أجفانه الطموحة، سكن إلى حكمة ما، فالدولة لا تشبه خيام البادية، وإذا كان المغول أيام عهود الرعي لا يحتاجون إلى نظامٍ حياتيٍّ معقدٍ ومدوَّنٍ، فهم اليوم يحتاجونه كثيراً، لأن البلاد التي أتوا إليها بلمعان السيف، لها نمطٌ لم يألفه المغول، ولهذا عاد الخان إلى ذاكرة العشيرة، وتصور أنَّ الحياة لسلالته ستلغى من خلال فرقة الأبناء وطموحهم، فوضع كتابه الموثق بين أجيالهم والمسمى (اليساق).

لا أدري إن بقيت نصوص (اليساق) إلى يومنا هذا، أم إن القوانين والنظم الحديثة جرفته إلى الاندثار والنسيان؟ فقد كان أبناء الخان العظيم يجتمعون لأجله بيومٍ سنويٍّ، وكلٌّ يراجع مسيرته حسب بنودِ وأخلاقياتِ ونصائحِ الكتاب، ومن يشذ عن تعاليمه يقال له بكل جرأة أن يتنحى، ويُعزل، ويجلس غيره من أبناء الخان على كرسي الملك.

يدون (أوقتاي) هذه التفاصيل. يدخل ذاكرة قرى (التتر) وأجداده الذين كانوا مندفعين برغبة الوصول إلى أعتاب الهاجس الخفي، حيث فكر المغولي بالجواري البيض، والخمور المعتقة وببساتين المدن الدافئة والتي ترتدي ثياب الضوء في محاسن البنيان وخمار المنشدات وإيوانات القصور الفخمة.

يدفع إليه الشيخ مدونة على جلدٍ يابسٍ لغزالٍ مسكينٍ مات بنبلة سهمٍ مقاتلٍ مغولي.

تبدو الحروف التركية مكتوبةً بخطٍ رديءٍ، جملٌ تكاد أن تكون أدعيةً بدائيةً. (أوقتاي) يعرف التركية، ولكنه يتعثر في لفظ ما يراه. جمل تحاكي صورة الطلاسم، وعليها مثل حركات الحروف ترسم سيوفاً وشموساً ورؤوسَ طيورٍ صغيرةٍ.

قال الشيخ: تلك تعويذة الخان العظيم (جنكيز). ربما الأمر غير قابل للتصديق، لأنَّ قطعة الجلد هذه لا يليق بها أن تركن في هذه القرية القوقازية ما دامت هي من ممتلكات الخان. لقد ورثنا هذا الأثر وتوصيفه من أجدادنا. من جاء بها لا نعلم. ولكنها في ترجمتها الحرفية تلتقي في الكثير من معاني وتعاليم الكتاب الذي خَطَّهُ الخان من خلال القلة العارفين للكتابة الذين كانوا بمعيته.

تذكرت كتاب (اليساق). وذكرته أمام الشيخ المسن. قال: نعم. ربما تلك التعويذة أخذت منه، إنه كتاب يحوي رؤى المغول في أول فهمهم لما حولهم. ولنقل إنه دستورهم وملاذهم وقت الشعور بالحرج، ففيه الأدعية الشافية ووصايا الأخلاق والحُكْمِ في الخلافات.

وبينما النجوم تبرق بخيوطٍ نحيفةٍ من ضوء الفضة أمسك الشيخ (بردغاي) قطعة الجلد، تأملها بنظرةٍ عميقةٍ، ثم أطلق أصواتاً للغةٍ لم يسمع (أوقتاي) بحروفها يوماً ما.

الصفحات