كتاب " جنكيز خان الأنوثة والسيف " ، تأليف نعيم عبد مهلهل ، والذي صدر عن دار نينوى للدراسات وا
أنت هنا
قراءة كتاب جنكيز خان الأنوثة والسيف
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ليس ببعيدٍ عن خيمة الخان العظيم تعيش الفتاة (تيلا ماجوين) ذات الستةَ عشرَ ربيعاً، محتفظةً بحسنٍ برئٍ ووجهٍ مدورٍ مثل قرص الشمس، وبعينين صغيرتين تلمعان بسواد كحل عروسٍ مرحةٍ، فيما تدلت ظفائرها بنعومة الحرير، كما خيوط ضوء قمرٍعلى نومة سنبلة القمح في الليل الربيعي البارد.
هذا الجَمالُ المغوليُّ الصحراوي كان محط أنظارٍ الجميع. لكن أيَّ فارسٍ لم يجلب نظر أو اهتمام (تيلا ماجوين) فلقد بقيت وفيةً لمعزِتها ورعاية أمها وجدتها (بيبي ـ سيدا) التي تعلقت بها بشدة، لأن حكاياتها الساطعة كما وميض نجمةٍ كبيرةٍ، تفتح لها أفقاً لتخيلٍ تَكَدَّسَ عبر ليالي شتاءٍ وصيفٍ طويلٍ، ليفتح في ذهنها قدرة الرؤى والعَرَافة، وتتبع ذاكرة النجوم والأفلاك، ولتصير بعد ذلك أول امرأةٍ مغوليةٍ تشتهر بعرافتها وتطلب إذناً للقاء الخان قبل غزوته الأولى على التتار، ليصدهم عن التحرش على حدود مراعيه الممتدة عبر سهوب منغوليا الواسعة كنظرة النبلة قبل إطلاقها من القوس.
لأول مرة تقف (تيلا ماجوين) بقامتها النحيفة كغصنٍ يتدلى من ثقبٍ في خاصرة جبلٍ، بدا نهداها الصغيران مثل كرتي فضةٍ فيما تهلل خديها بشعاع خوفٍ وخجلٍ أحمرَ كما شفتين أنهيا للتو فصل عراكٍ من القبل. أحست برعشةٍ وخوفٍ، وهي تضيع في لحظة الانحناء أمام الخان.
رأى الخان ارتباكها، لكنه كان مفتوناً بما تملك من ضوءٍ ساحرٍ في جسدها وتقاسيمه الدقيقة.
لم يتحدث الخان بشيءٍ، سوى أنه أخفى هاجس إعجابٍ وشهوةٍ غامضةٍ وأومأ إلى أحدهم ليصحب الفتاة إلى خيمة النساء.
مشت (تيلا ماجوين) صامتة إلى قدرها الجديد وهي تشعر بخليطٍ من سعادةٍ وحزنٍ، حين أصبحت من ممتلكات الخان العظيم وربيبة لأجمل زوجاته (تافوشين)، وفي الوقت نفسه ابتعدت عن مكان طفولتها وصباحات جدتها التي كانت تغمرها بالحكايات وقراءة طالع الأشياء، مثلما تغمر الأمطار آبار سقي الماشية في مواسم الشتاء.
في الخيمة الكبيرة التي تشبه بطن حوت، اختارت الصبية مكاناً قريباً من فتحة باب الخيمة تقضي عليه سهدها، الذي تتذكر فيه عائلتها التي لا يمكن أن تعود إليها إلا حين يأمر الخان، لتذهب نصف نهارٍ تنام في حجر جدتها تستمع منها إلى إرشادات ووصايا عن كياسة تصرف المرأة في حضرة سيد القوم، أما الحكايات وقراءة الطالع والأبراج فلم يكن لديها الوقت الكافي وربما كانت الجدة قد اقتنعتْ أن حفيدتها امتلكت ما يكفي من حكمة الرؤى، فيما مضى كان الليل ساحتها وبهجتها، والآن تزورهم كما ومضة الضوء لتعود مسرعةً لأنَّ الخان سيأتي من رحلة الصيد اليومية في الهضاب القريبة، وعليها أن تغسل قدميه، ولا ترفع رأسها حتى عندما تشعر بخوفٍ ورهبةٍ وهي تشعر بأصابعه التي لها نعومة الحصى المغسول بمياه المطر، يتحسَّسُ ضفائرها بعشقٍ وأبوةٍ ومشاعرٍ تجعل أكبر الزوجات تتضايق، لكن لا أحد يناقش الخان أو يحسِّسْه بمشاعرٍ ما اتجاه رغبته، فالخان كتب في أول تعاليمه ووصاياه في كتاب الساق ما نصه: (الخان لا يُرد لا بنظرةٍ ولا بكلامٍ.