أنت هنا

قراءة كتاب سبع عجاف

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سبع عجاف

سبع عجاف

كتاب " سبع عجاف " ، تأليف سعد آل سالم ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
5
Average: 5 (3 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

مذكرة 1 : ذلك الممر الضيق

يمضي اليوم مملاً وثقيلاً على السجين، فلا يجد متنفساً يقضي فيه وقته سوى ذلك الممر الضيق بين الغرف، والذي غالباً ما يكون مزدحماً بالمدخنين و يغطي نفثهم كامل المكان، ويخيل إليك وأنت تمشي كأنك وسط حريق، وما هي سوى الآلام المشتعلة في الصدور، يحاولون إطفاءها بسجائرهم، ويشعرون بتلاشيها مع زفيرهم بأن نارها خمدت ولم يبقَ سوى ندوبها المتمثلة في دخانها الباهت.

أتذكر موقف سلمان بخصوص التدخين عندما كان جالساً مع مجموعة من كبار السن - وهو شخصية محبوبة للجميع بسبب عفويته الجميلة التي يعامل الناس من خلالها- حينما طلبوا منه أن يتوقف عن التدخين من باب النصح، فكان رده تلقائياً: يعني ما تبوني أدخن مرّة! فقالوا له: نعم. قال: يعني أصير (حرمة عجوز)! ضحك الشيبان منه، وردَّوا عليه: الله يسامحك! يعني حنا مثل الحريم!.

لا أعلم لماذا اختار سلمان مصطلح العجوز في رده العفوي، والذي كان يريد أن يعبِّر به عن أن تركه للتدخين سيكون بمثابة عدم أهميته في الحياة! وامتعاض الشيبان من رده ربما يدل على غضبهم من انتقاص حق المرأة حتى في كبر سنِّها,، وهي التي بمثابة الأم والجدة، وهذا عائد -ربما- إلى أن البعض في المجتمعات التقليدية ينظرون للمرأة أحيانًا نظرة أقل من مكانتها كمربية للأجيال.

حين التفت ناحية الباب وجدته – كعادته - (راشد) واقفاً رافعاً يديه يسأل الله أن يخرجه من هذا المكان، وكلما اقتربت منه أسمعه يتمتم بالأدعية، وحاله حال الكثيرين ممن تم الزج بهم في هذا السجن بلا أي ذنب. كنت أتساءل وقتها: لماذا لا يجلس في المسجد ويدعو الله في مصلاه! أم أنه يعتقد بأن اقترابه من الباب ومحاولته النظر للسماء يشعره أنه أكثر قرباً من الله.

لاشك أن الجميع هنا يبتهلون لله بقرب الفرج مع كل وقت وفي كل حين، فلا أحد منهم يريد البقاء في هذه العنابر سواء من كان مذنباً أو غير مذنب، فكلما ضاقت الدنيا على الإنسان لجأ إلى ربه؛ ليخفف عليه ما به.

في الجانب الآخر يخرج عامل آسيوي من إحدى الغرف حاملا كيساً من القمامة وبيده مكنسته التي ينظف بها الغرف، فهو وأبناء جلدته وبعض من الجنسيات الأخرى الوحيدون القادرون على الاستفادة من سجنهم، فكل غرفة تتعاقد مع أحدهم مقابل مبلغ شهري، و يدفع لهم أصحاب الغرف مبلغاً لتنظيف الممر ودورات المياه. فإن لم يفعلوا ذلك وجدنا أنفسنا بين كومة من الأوساخ، فلا أحد يهتم بالمكان سوانا، فالسجَّانون من خلف الأبواب لا يدخلون إلا إن كانوا يريدون أن يخرجوا أحداً للعقاب!

كنت عندما أنظر إلى السقف وأراه حاجبا لاأشعة الشمس بشكل تام، يضيق صدري، وأجدني أتابع ارتطام الدخان بجداره ليعود ثانية إلى الأسفل بعد أن فقد الأمل في الخروج، حتى مروحة شفط الهواء التي مُنعت في هذا المكان؛ من أجل ألّا يتحرر الدخان أيضاً ويظل حبيس الحيز!

الصفحات