كتاب " سبع عجاف " ، تأليف سعد آل سالم ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب سبع عجاف
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

سبع عجاف
مذكرة 2 : أدراج الرياح
ما أنهيت سوى فصل جامعي واحد، وما يلوح لي في الأفق تباشير عن إمكانية الحصول على شهادة جامعية كما كنت أحلم وتحلم أسرتي،، تمرُّ عليَّ لحظاتٌ بائسة ومرّة في دقائق الهدأة وقت القيلولة، ,أتذكر فيها فترة سكني في حي الجامعة في المنطقة الغربية، الحي الذي كان مزدحماً بالطلاب المنتشرين في كل أرجائه وأزقته المتهالكة والموحشة، يستأجرون شققاً فقيرة ومبانٍ بعضها آيلٌ للسقوط، ولكن بما أنه المكان الوحيد الذي باستطاعة الطلاب أن يسكنوا فيه ويذهبوا للجامعة منه مشياً على أقدامهم، فلم يكن لهم بد من العيش فيه في ظل عدم تمكنهم من شراء سيارات، وعدم توفر سكن جامعي للطلاب.
كنا جميعاً هناك أمام اختبار يومي لتجاوز حاجز الموت، وهو الطريق السريعة ذات الأربعة مسارات، الفاصلة بين الحي والجامعة، وكانت مشاهد الدهس الشنيع هي الأكثر ألماً لنا بين الحين والآخر، لطالب قد يكون في طريقه لحضور محاضراته أو العودة منها ولا يستطيع أن يكمل طريقه، فالسيارات تمر بسرعة جنونية و لربما أخذته معها لترميه جثة هامدة، وأمام هذا المنظر المحبط المؤلم جدا يواصل الجميع السير والمسيرة؛ بحثاً عن العلم، هناك جسر خشبي واحد ولكنه بعيد جداً، ولو كان هناك جسور أخرى تنتشر على طول الطريق لغاب عن أعيننا هول ما نراه.
أثناء تلك الأيام كنت أتنقل بين الشقق لزيارة الأصدقاء، ولا أستطيع أن أستقر في مكان واحد خصوصاً وأن أبناء منطقتنا يتواجدون بكثرة في الحي حالهم كحال البقية القادمين من أغلب مدن الأطراف؛ من أجل مواصلة تعليمهم الجامعي.
ذهب كل شيء أدراج الرياح ,وها أنا أتنقل ولكن بين غرف هذا العنبر المتقابلة، وأذرع هذا الممر الضيق دون أن أدري إلى متى.
الإنسان يتأقلم مع واقعه مهما كان ذلك الواقع مؤلماً، ودائماً ما أوصي نفسي بالصبر، ولكن قد يكون الصبر أحياناً ليس خياراً، بل واقعاً تفرضه علينا الحياة، فلا يكون أمامنا سواه.
آه! ليتني أعرف من هو صاحب فكرة السجون في هذا العالم، وهل يعقل أن تبقى بهذه الطريقة في الألفية الجديدة، ألم يستطع الإنسان أن يطورها أو يوجِد بدائل أخرى لا تحرم الإنسان من حريته أو تعطل حياته وأحلامه في هذا الزمان؟
عندما أرى شابًّا هنا لا يعرف كيف يمسك بالسيجارة في يده، يمشي بجانب مروِّج مخدرات، أَحْزَنُ كثيراً، مؤلم أن تكون في مكان يجبرك على البقاء مع من ليس في مجالسته سوى الضرر في غالب الأحيان.