كتاب " سبع عجاف " ، تأليف سعد آل سالم ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب سبع عجاف
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
سبع عجاف
مذكرة 6 : يؤلمني سجن كبار السن !
ألا يمكن البحث عن بدائل أكثر إنسانية؟
يجلس رجل مسن في إحدى زوايا صالة العنبر متلثماً بغترته البيضاء؛ لتحول بينه وبين رائحة الدخان، لم يبقَ ظاهراً من وجهه سوى عينيه من الأعلى، وأطراف لحيته البيضاء من الأسفل، يحضر كل يوم لمتابعة نشرة الأخبار، يكون و مجموعة معه من السجناء مندمجين مع النشرة، لا يملون أبداً من تكرار مشاهد استقبال وتوديع المسؤولين لضيوفهم والتي يعرضها التلفاز يومياً وتأخذ نصيب الأسد من نشرات الأخبار، ولا أعرف ماذا تعني لهم تلك اللقطات ولماذا يهتمون بها وأي متعة أو فائدة يجدونها! هل هو العمر المديد الذي أدمن العادة والروتين!؟. أم هو اقتناص للحظات حرية تفرزها أجواء السفر وديكورات المطارات الصقيلة!
ولعلي أميل إلى أنه تتبع لمغادرة وعودة مسؤول يملك وحده حق سجننا واعتاقنا.
داخل السجن ليس هناك فرق في التعامل بين الصغير والكبير، فالمكان يجمع كل اللغات والأشكال والثقافات، فليس للإنسان هنا إلا أن يؤقلم نفسه ويصبِّرها، متحملاً كل ما يراه أمامه وكل ما يعايشه في يومه.
أتساءل: مع رؤيتي لهذا المسن، لِمَ لا يكون هناك مراعاة لأوضاع النزلاء، بحيث يكون للمدخنين (صالات) تخصهم، ويكون لكبار السن وغير المدخنين مكان يمنع فيه التدخين.
السجن يجب أن يكون تأديباً وتهذيباً وليس إهانة وتدميراً للمستقبل، فكل ما أراه لا يمكن أن يجني منه الإنسان ثمرة للصلاح، فالحابل يختلط بالنابل، والأوضاع النفسية لا يمكن أن تستقر في وسطٍ موبوء كهذا.
أليس بإمكان إدارة السجون أن تخصص عنابر لكل فئة بحسب السن أو نوع القضية، أو باختبار من أحد الأخصائيين قبل توجيه النزيل للعنبر، لمعرفة المكان الذي يناسبه.
كل هذه التساؤلات تمر على ذهني سريعاً، وكذلك أسمعها بشكل شبه يومي من المتواجدين معي، ونحن نتشاكى من سوء الحال لبعضنا، وكأن أي منا قادر على حل هذه المشاكل، أو أن هنا من يسمعنا أويعيرنا اهتماماً.
خرج المسن بخطوات متثاقلة وبطيئة من الصالة بعد أن اتكأ على جدار بجانبه؛ ليساعده في النهوض، فقد أخذ منه الكبر ما أخذ وقادته الأيام إلى قدره، يا له من شعور مؤلم يجعل الدنيا معتمة بوجهك، وتضيق معه نفسك، شعور تعيشه مع رؤية رجل مسن قد غطَّى البياض لحيته، مع دماثة أخلاق في تعامله مع الكل، في مكان كهذا لا يوجد فيه سوى الكثير من الذل والإهانة؛ لما قد يراه أو يسمعه من مسجون سفيه، أو سجَّان ليس فيه شيمة أو خلق من أخلاق الأحرار.