أنت هنا

قراءة كتاب سبع عجاف

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سبع عجاف

سبع عجاف

كتاب " سبع عجاف " ، تأليف سعد آل سالم ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
5
Average: 5 (3 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

مذكرة 5 : ازدحام السجون ضرب من ضروب التعذيب ايضاً

يا الله! كيف يحصل هذا! فمع كل يوم جديد يزداد العدد في هذا العنبر، أرى خمسة أشخاص يقفون بجوار الحارس بانتظار فتح الباب لهم؛ ليتمكنوا من الدخول، رغم أن الغرف ضاقت بمن فيها، ولكن كل يوم ونحن بهذا الحال والأعداد في ازدياد.

أنا على ثقة أن أوضاع السجناء داخل العنابر لم تخضع لدراسة قط، يكفي أنني إلى الآن لم أرَ أحداً يدخل ليتفقد حال المساجين، أو ليسألهم عن أوضاعهم ومتطلباتهم، كل ما أشاهده من تواجد للسجّانين هنا يكون لحضورهم عند ملاحظتهم ما يوجب العقوبة للنزيل حسب رؤيتهم، وليس اتباعاً لقانون مدون يعرّف السجين ما له وما عليه من خلال قراءته والإلمام به.

كان الخمسة من الجنسية اليمنية التي يكثر تواجدها في العنابر؛ بسبب القرب الجغرافي والحدود المشتركة,، تتنوع قضاياهم وتختلف، ولكن غالباً ما تكون إما بسبب القات، أو العبور دون وثائق سفر أو تأشيرة؛ للبحث عن فرص عمل؛ بسبب تدني الأوضاع المعيشية عندهم.

لم أرَ أحدهم يطالب بلقاء مندوب لسفارة بلاده مع أن منهم من يشتكي من جور الحكم عليه، أو من فترة بقائه طويلاً في السجن بلا محاكمة.

بينما تجد في المقابل بأن أي نزيل من الجنسية الفلبينية على سبيل المثال لا يكاد يصل للسجن حتى تجد مندوباً من سفارتهم حاضراً لتفقد أوضاعه؛ وللوقوف بجانبه والاطمئنان عليه ومتابعة مجريات قضيته، ولا يطول به التواجد في السجن إلا إن كان مداناً في قضية كبيرة وثابتة، ولذلك تجدهم أقل الجاليات تواجداً، وإن رأيتهم فلن تجدهم يشتكون من الظلم.

هكذا تستحق الحكومات الاحترام من شعوبها،، عندما تحترم مواطنيها في كافة أوضاعهم حتى في السجون، كنت أنظر لحكومة الفلبين نظرة عادية، ولكن بعد مشاهدتي لما تقوم به مع مواطنيها بت أحترم حكومتهم كثيراً.

كنت قد رويت ذلك لأحد اليمنيين المتواجدين هنا في قضية تهريب، والذي لا يزال ينتظر دوره في الترحيل بعد أن قضى محكوميته من السجن، وقال لي:

_ يا صاحبي، اليمن السعيد أصبح تعيساً؛ بسبب نظام فاسد عبث به وجوَّع أبناءه وشرَّدهم، حتى إن بعض من تراهم هنا يجدون في هذا المكان راحة لهم أكثر من العيش في بلادهم، فلا مسكن لديهم ولا فرص عمل يستطيعون معها توفير أبسط متطلبات الحياة من مأكل ومشرب.

ولم يستطع أن يخفي عبراته واختناقه بها وهو يحدثني عن قصته ومكانة عائلته الاجتماعية في السابق، وكيف أن الحال تردَّى به، حتى اضطر أن يرضخ لوساوس الشيطان وأن يحضر معه كمية من الحشيش؛ ليجني منها مالاً، كان يحدثني ودموع الحسرة تسابقه:

_ بسبب الفقر والعوز بعت البلاد يا يوسف التي مات من أجل كسبها أجدادي، وتعب لإعمارها والدي، ولكنني لم أستطع مع قلة الماء فيها أن أزرعها، فاضطررت لبيعها، والآن (ما عاد شِي معي ) سوى بيت فيه والدتي المسنة وبقية أفراد أسرتي، ولا مصدر رزق يأكلون منه ويشربون، وإن أردنا العمل فالدنيا فساد وواسطات ومحسوبيات، والناس بهذه الحال جميعاً،، وخلها على ربك يا يوسف، (وأنت باقي تبغى سفارتنا تسأل عنا؟!)، هم يعرفون كل شيء هنا وهناك، ولكن الفقر والتجويع والإذلال سياسة تجعلهم في شقائنا مرتاحين، وأنت تقول لي: أني فعلت غلط وحرام، نعم صدقت و أنا أشهد أني نادم على فعلي، فلا إسلامنا يجيزها ولا عروبتنا ترضاها، ولكن الحاجة هي من أوصلتني لهذه المرحلة من الضعف، وإن شاء الله أنها الأولى والأخيرة، عسى الله أن يغفر لنا جميعاً.

كنت متأثراً حين حدثني بحنقه وبلهجته اليمنية ذات الإيقاع الموسيقي الجميل، ولم أستطع أن أقول له شيئاً أكثر من أن أطبطب على كتفه,، على أمل أن اليمن سيكون بأفضل حال في القادم القريب بيد أبنائه إن أرادوا ذلك، فلن يصنع الأوطان ويعيد أمجادها ويرقى بها سوى أبنائها.

قلت له:

_ يا صاحبي، إن كانت الحدود تفصلنا فالقلوب والدم العربي والنخوة الإسلامية تجمعنا، فعز اليمن عزنا جميعاً، وأنت وغيرك من الشباب هنا لو كانت مساعيكم في إصلاح البلاد بدل الطمع والسعي في المحظور أو إلقاء النفس للتهلكة والسجون لتغير الوضع، وإن سجنتم عليها فسجن كرامة بدلاً من سجن عار، وإن متم في سبيل الحرية فعيش بدونها قمة الإذلال والإهانة. الكثير من البلدان العربية –وللأسف- حالها كحالكم، ودموعك أمسحها، ودعنا نغني (لمن كل هذي القناديل تضوي لمن... أمي اليمن)..

ابتسمنا، وغنيناها سوياً قبل أن أتركه؛ عائداً لغرفتي.

الصفحات