أنت هنا

قراءة كتاب سبع عجاف

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سبع عجاف

سبع عجاف

كتاب " سبع عجاف " ، تأليف سعد آل سالم ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
5
Average: 5 (3 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

مذكرة 7 : حينما لا تطفأ مصابيح أحلامك

أن تعيش قصة حب ثم يخطفك السجّان ليحرمك منه، تلك أكبر الكوارث لمن هم في عمري.

مرّ وقت طويل لم أستوعب خلاله أسباب وجودي مع هذا الخليط من البشر وكأنني أعيش وسط حلم مرعب،، هل يعقل أن يكون شخص مسالم ومحبّ للخير في هذا المكان!، وإن حدث هل سيطول به المكوث؟، أم أن العدالة ستكون سيدة الحسم لإخراجه مما وقع عليه؟.

لا أزال في بداية أحلامي، لم أحتفل بعيد ميلادي العشرين بعد، يا الله.. كم هي الأحلام تتبعثر أمام الإنسان عندما يجد نفسه في طريق غير الذي رسمه لنفسه وخطط له، في حين كان قد بنى أحلامه وحاول المشي في درب تحقيقها.

بكل تأكيد، إن وجود الكثيرين ممن هم في نفس عمري وأصغر مني قد يهوِّن عليَّ الشيء الكثير، ولكن لن ترجع لي أحلامي المسلوبة ولن يرجع عمري المتوقف، الحياة داخل هذا المكان لا يجب أن تحتسب من أعمارنا؛ لأنها لا تتجدد ولا نرى فيها شمساً مع صباح كل يوم جديد، ولا قمراً ننادمه في مساءاتنا,، كل ما هنالك عشر غرف، وصالة هي في الأصل غرفتان مفتوحتان على بعضهما، وممر، وأضواء مصابيح لا تنطفئ مع هدأة الليل أو احتياجات النوم العميق.

لم أكن أتوقع يوماً بأنني أستطيع النوم دون أن أطفئ المصابيح، أو أنام وأنا أسمع أصواتاً تقطع عليَّ انسيابية نومي، واليوم ها أنا أنام بين العشرات وعلى إزعاج مستمر في الصباح والمساء ما بين مساجين وسجَّانين.

عندما أرى خليل - وهو يصغرني بسنة ونصف تقريباً- نائماً أمامي، والبراءة مرسومة في تفاصيل وجهه الشاحب، ونحالة جسمه التي تجعله كما الطفل فوق سريره، أحس حينها بأني كبير، فأنظر إليه بشفقة وكأنني أكبره بسنوات، أو كأن جسمي أكبر منه، رغم تساوينا في ضآلة وصغر أجسامنا، ولا أعرف مَنْ منا يستحق الشفقة.

سأحاول أن أتيقن واقعي وأن أعيش قَدَرِي كما هو، فلربما يطول بي المقام، أو يقدر لي أمر آخر يرسم طريقاً للانعتاق، وأستطيع حينها العودة للبيت وتوزيع الهدايا التي جلبتها لأسرتي والتي سرعان ما سرقت مني فرحة اصطياد لحظتها النادرة المختبئة في عيون وملامح كل فرد فيهم، عندها سأخبرهم بما تبقى في ذاكرتي من قصص، رغم أن ما رأيته في الأيام الماضية هنا كفيل بأن ينسيني ملامح أهلي، فما بالك بذكريات أيام وأيام في المدينة الساحلية.

لم تغب عن بالي (منال)، وحديثنا في أول لقاء عند باب منزلها قبل مجيء الحافلة التي تقلها إلى مدرستها، كنت أعيش مغرماً مع تلك اللحظات كل صباح، وكانت تبعث فيَّ الأمل وتنكه طعم الحياة.

رغم خوفنا من أن يرانا والدها أو أحد من الجيران، إلا أن براءتنا كانت تقتل ذلك الخوف، الحب يجعل الخوف كائناً هلامياً يتلاشى في اللا مكان واللازمان للعاشقين، فكنا نعرف أن قلوبنا تحمل الحب الصادق والصافي، وتضع أمامنا حدوداً لا يمكن أن نتجاوزها؛ لذلك كنا نلتقي رغم كل المعوقات، وكانت تلك الدقائق القليلة تجعلنا نحلِّق في السماء بأشواقنا المليئة بالعشق البريء، صورتها عندما ترتسم أمام وجهي بثغرها الصغير وعينيها المقرونتين، وغمازتين تسم خديها عند ابتسامتها وكأنها مغناطيس يجرني نحوها، لأقبلها لا شعورياً، وأشم أنفاسها وعطرها الهادئ قبل أن أودعها وأنظر إليها من بعيد وهي تركب الحافلة، كانت خطواتها رقصة فرح تكاد تطير بها من على الأرض، وتطير بي لألحق محاضراتي، وقد تشبعت بلحظات كفيلة بأن تجعلني أرى نفسي أسعد من في الكون، وأذهب للجامعة وأنا أردد بيني وبين نفسي أغنية تلو الأخرى، يرتفع صوتي بشيء منها قبل أن أعود لأتمتمها ثانية؛ لكي لا يسمعني أحد ويظنني جننت، أو يسألني عن سر نشوتي الصباحية.

لا أزال هنا مبتسماً حتى الآن رغم كل شيء، ولن أجعل أحداً يسرق ابتسامتي مني مهما فعل، فهي سلاحي الوحيد الذي أحمله معي منذ الصغر؛ لأواجه به كل عقبات الحياة، وعاهدت نفسي على بقائها مهما حصل.

الصفحات