أنت هنا

قراءة كتاب أزمة النخب العربية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أزمة النخب العربية

أزمة النخب العربية

كتاب " أزمة النخب العربية " ، تأليف د. حسن مسكين ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

والواضح إذا ما اعتمدنا هذه المقاييس أن البلدان العربية غير مؤهلة على المدى القريب أو البعيد لتحقيق الحد الأدنى من المقومات الضرورية لإنجاز تنمية ولو في أبسط مظاهرها، فكيف بها أن تحقق هذه المقاييس كاملة، لتظل التنمية بمفهومها الشامل مطلباً بعيد المنال، في ظل غياب شروط، بل ومؤشرات توحي بإمكانية إنجاز تحولات إيجابية أو تغييرات ملموسة، تهم بالأساس تنمية الإنسان بوصفه المحور في تحريك عجلة الاقتصاد والسياسة والمجتمع والفكر، وبما يضمن الحريات ويدعمها كي تتحول إلى رافد يوجه عملية التنمية، وذلك انطلاقاً من حرية الاختيار التي تعكس إرادة الشعوب، دون تمويه أو تضليل تحت أي مسمى أو مفهوم قديم أم حديث، سواء أكان صدى للماضي العربي أو استعارة كاذبة للتصور الغربي، تلك التي أقامها على ثنائية الغرب المتقدم / الشرق (النامي). ذلك أن الشق الثاني من هذه الثنائية يخفي حقائق ثابتة، ويوهم الكثيرين بأن "الفرق بيننا وبين غيرنا هو مجرد فرق زمني. هم سبقونا لأنهم بدءوا ثورتهم الصناعية، مثلاً، قبلنا بقرنين وبالتالي وصلوا إلى مرحلة نضجهم مبكرين. بينما نحن بدأنا في مرحلة زمنية متأخرة. فإذا أسرعنا في السير لحقنا بهم، إن شاء الله! هذا هو الفهم الذي يروج له بالفعل، وهو مرفوض. فالصحيح أننا لسنا دولاً نامية بهذا المعنى، نحن دول مشوهة وتابعة ومقهورة، وليس الأمر هنا استعمال ألفاظ إيثارية، في مقابل ألفاظ علمية محايدة، لا، إنه محاولة للتحديد الدقيق والعلمي لطبيعة وضعنا، وكيف ينبغي أن يوصف بالمصطلح الملائم"([8]). المسألة إذن تتعلق بالإقرار والاعتراف الصريح والواضح بهذا التخلف، وسريانه في شتى المجالات، وعدم الركون إلى مسميات عابرة، وأغاليط سائرة، للانتقال إلى مرحلة البناء انطلاقاً من البحث عن ثقافة جديدة قادرة على إعادة الأمل إلى كل هذه الطاقات المعطلة، وتحريرها من أغلال التبعية والاستهلاك والاستغلال، نحو العمل الحر والمسؤول. أي أن شرط الحرية هو المحور الذي سيحدد هذه الانطلاقة، التي عليها مدار الإنجاز الذي طال انتظاره، لينتقل من مجرد بحث عن مظاهر طارئة لنمو اقتصادي، "نمو يمكن تحقيقه بدون تحولات أساسية في هيكلية ومواقع القوى الاجتماعية والسياسية أو في القيم والتوجهات والتنظيم والثقافة – باختصار – دون تبذل جذري في القوى غير الاقتصادية [أما التنمية فهي أعمق من ذلك بكثير] لأنها تعني تحسين نوعية حياة الأفراد وإطلاق عملية تحرر المجتمع اقتصادياً وفكرياً"([9]).

إن الأمة العربية في حاجة إلى إعادة النظر أولاً في مفاهيم اعتبرت نهائية وقطعية بنيت عليها تصورات خاطئة، انتهت إلى نتائج مضللة.

إنها ملزمة بتحديد مخارج لهذا التخبط في الرؤى والتصورات الأساسية، قبل التفكير في أي إصلاح أو تغير إنها بحاجة أولاً إلى مفهوم دقيق وسليم وواقعي للتنمية غير مستنسخ ولا مستورد، يعتمد على الطاقات الذاتية والخبرات الوطنية، ويسعى إلى تحفيزها، وتطويرها، لتأكد حضورها فعلاً لا قولاً، إنجازاً لا شعاراً، حتى تساهم في بناء الوطن وتأسيس حضارة تليق بمكانته ضمن الأمم، لا سيّما في ظل هذه المتغيرات العميقة والتحولات السريعة، لكن ذلك يجب أن ينطلق من رؤية علمية، دقيقة، غير متشنجة بدعوى الخصوصية الضيقة، أو مفتوحة دون ضوابط، تتخلى عن القيم المجتمعية، وروح التنمية المنشودة التي تركز على بناء الإنسان في كليته غير المتشظية كما يروج لذلك الآن، حين يتم التركيز على رؤية الاستيراد بكافة وجوهها وأشكالها، سواء كان استيراداً للتكنولوجيا أو الفكر أو الثقافة، ومهما اتخذت لذلك من مسميات. إذ الاستيراد تعطيل للخلق وتجذير للاستهلاك وتثبيت للتخلف، وإبعاد لخاصية الإبداع وثقافة التنمية في بعدها الحضاري الخلاق الذي يبني ولا يهدم، يسمو بالقيم ولا يخرقها. لكن هنا قد يعترض البعض بالقول إنه "ليس من الضروري استدعاء مفهوم الثقافة والحضارة عند تحديد ماهية التنمية المستقلة. وواقع الأمر أن لهذين المفهومين أوثق العلاقة وأكثرها مباشرة بمفهوم التنمية المستقلة، وذلك أنه من حيث إشكالية الثقافة نجد أن رواد نظرية التنمية تعاملوا في كتاباتهم مع إشكالية التنمية على أنها ظاهرة ثقافية، بل تداعوا من أجل تحقيق التنمية انطلاقاً مما أطلقوا عليه "الثقافة المدنية" حيث اعتبروا أن وجود هذه الثقافة شرط ضروري لتحقيق عملية التنمية برمتها. ثم إن الحضارة سواء في سياقنا هذا أم في أدبيات التنمية عموما هي الإطار الذي يؤطر عملية التنمية"([10])، فهي إذن رؤية متكاملة من المفاهيم والتصورات والمقاصد السامية البانية للإنسان باعتباره المستخلف في الحياة، والضامن لاستمرارها أو خرابها، حسب ما يحققه فيها من فعل تكون آثاره جلية، وهي تحدد نظرته لذاته وللآخرين وللعالم كله في بعديه المادي والروحي.

الصفحات