كتاب " أزمة النخب العربية " ، تأليف د. حسن مسكين ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب أزمة النخب العربية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
أزمة النخب العربية
إنه خطاب نقدي، يقر بالأزمة ويقترح إحدى المداخل الممكنة لتجاوزها، والتي يراها في تصحيح صورة السياسي وتهيئ المناخ الكفيل بانخراطه إلى جانب المثقف في عملية البناء التنموي وحتى تستعيد الثقافة دورها الريادي.
لقد آن الأوان لكي يدرك الجميع أن المصلحة العليا للبلاد العربية هي المطلب الأولي والمقصد الأوفى في كل رؤية أو مشروع تنموي، بعيداً عن الحسابات السياسوية والعصبيات الضيقة التي رسخت الفرقة، وأبعدت مبادرات الوحدة المتسمة بالتنوع. ويبدو أن ذلك رهين أولاً بخلق قنوات التواصل السليمة والفعالة بين الساسة والمثقفين لإنجاز تحول في مسار هذه العلاقة، فإنتاج سياسة جديدة تؤمن بالثقافة كأساس لا محيد عنه في تحقيق التنمية. تتحول فيه السياسة من عائق إلى معين ودافع قوي باتجاه هذه التنمية، التي لا يمكن أن تقوم لها قائمة في ظل غياب أو تغييب هذه الفئة من المثقفين المتنورين، وشيوع فئات أخرى من (المثقفين) الانتهازيين، الذين يكتفون بتسخير الثقافة لأهوائهم ونزواتهم بعيداً عن هموم الأمة، وآمال شعوبها. ولعل القاسم المشترك بين معظم البلاد العربية هو هذا الثقل السياسي الواضح في تلك المبادرات، والتوجهات التي تتخذها سواء في مجال التعليم أو الاقتصاد أو غير ذلك من المجالات الحيوية. ويبدو أيضاً أن "الاتفاق تيار يكاد يكون كأملاً في عدد من الدراسات حول السلطة السياسية في أغلب هذه الأقطار باعتباره عائقا رئيسياً نحو التنمية الحقيقية، من خلال مؤشرات التوجه المغلوطة للتنمية وما يسمى أحياناً بالتنمية المعكوسة أو ما يسمى في مواضع أخرى بتنمية التخلف. وتؤكد تلك الدراسات على أن المرتكز الرئيسي بكون السلطة السياسية مسؤولة مسؤولية رئيسية عن هذا التوجه المغلوط أنها صاحبة القرار المنفرد في معظم أقطار المنطقة وأن قراراتها لا تنسجم كلها أو أكثرها مع ما تقتضيه التنمية الحقة. وتوضح تلك الدراسات أن السلطة السياسية في معظم هذه الأقطار تكاد حتى الآن لا تدرك مدى خطورة ما تتخذه من قرارات على حاضر التنمية"([21]).
ولعل تلك الوضعية من بين أسباب ساهمت من جهة في تردي الوضع السياسي العام، ومن جهة أخرى في تراجع، بل وتلاشي دور الفئات المثقفة، في وقت أصبحت الحاجة ماسة لدورها الفعال في التغيير والتنمية، بحيث أصابها شعور بالإحباط والتهميش، إضافة إلى التشتت الذي حل بها جراء تباعد مصالح وإيديولوجيات مقوماتها وطموحاتهم السياسية المعلنة أو الخفية. مما نتج عنه صراع داخلي، ضاعت معه القضايا المصيرية العليا للأمة، وحل الشقاق، وساد النفاق، وتعطلت مبادرات التكامل الذي يجب أن تساهم فيها كافة القوى بتنوع تصوراتها، وخصوبة أفكارها التي هي جزء من الغنى الثقافي والثراء المعرفي الذي يدفع نحو مشروع حي وطموح، لا أساس فيه للإقصاء بأي شكل من الأشكال، وتحت أي مبرر أياً كان مصدره. لكن الظاهر أن هذه الفئات قد ألفت هذه الأوضاع، بل واستحسنتها، فانطبقت عليها صورة السياسيين، ممن يجدون ضالتهم في مثل هذا المناخ غير السليم، وغير الباعث على أفق قريب، إذ الدلائل تؤكد أن النزعات الفردية، والقرارات الانفصالية غدت تشكل ظاهرة في تحكم علاقة الساسة والمثقفين بالفئات الشعبية التي أصبحت تراهن على مبادراته الذاتية أو تلك التي تقوم بها هيئات المجتمع المدني، بعد أن فقدت الأمل في أحزابها ومثقفيها على حد سواء، ما دام هؤلاء قد اشتركوا جميعاً في لعبة المصالح الضيقة، بعيداً عن هموم الشعوب وخياراتها الكبرى([22]).
ورغم إقرارنا بأن الحريات السياسية المبنية على الديموقراطية تعد المدخل الأساس في قيام أي تنمية حقيقية نظراً لوجود تجارب عالمية تشهد على ذلك؛ إلا أن ذلك لا ينبغي أن يحجب عنا الجانب النسبي فيها، والذي يمكن التمثيل عليه بنماذج عالمية أخرى، تكشف على أن الرهان على استعارة النماذج واحتذاء التجارب دون الوعي بخصوصياتها، يبقى عملاً غير ذي جدوى. فهل يعني أنه إذا كانت "الديموقراطية قد ارتبطت بالدول الغربية أساساً، فهي فقط من خصوصية الرجل الأبيض، وترتبط لذلك بثقافته وأنموذجه الاقتصادي والاجتماعي، وهي الحل لكل شيء؟ المسألة فيها نظر: من ذلك: أ- أنه من الصعب ربط الديموقراطية بالتنمية [ربطاً آلياً] بالنظر إلى أن هناك دولاً غير ديموقراطية مثل دول شرق آسيا (كوريا الجنوبية – سنغافورة، الصين) تعيش تنمية فيما لم تعرف أكبر دولة ديموقراطية في العالم مثل الهند تطوراً اقتصادياً ملحوظاً (قبل انتعاشتها النسبية الأخيرة، وما زالت دول أخرى تعاني من الفقر الشديد (مالي، النيجر، بنين. ..) على الرغم من اختيارها للنظام الديموقراطي، والشأن ذاته بالنسبة لعلاقة الديموقراطية بالثقافة، حيث النسبية حاضرة. بل إن الدول التي توصف بكونها غذت مثالاً في الديموقراطية لم توفر لكل مواطنيها ما سطرته في دساتيرها وبرامجها الحزبية([23]).
إلا أن ذلك كله، لا ينبغي أيضاً أن يثني شعوبنا العربية، مثقفين ومفكرين وسياسيين وسواهم عن السعي إلى تحقيقها، وتدعيمها في بناء وطن يؤمن بحق الجميع في العيش الكريم والاختيار الحر في صناعة قراراته المصيرية.