لم تكن الإنجازات المذهلة لثوماس ادوارد لورانس، ذلك الشاب خريج جامعة أكسفورد، معروفة للناس عند انتهاء الحرب العالمية الأولى.
أنت هنا
قراءة كتاب لورنس في بلاد العرب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
2
بحثاً عن حضارة مفقودة
عندما التقينا لأول مرة في القدس، وفي الصحراء المقفرة فيما بعد، كنت غير قادر على دفع لورنس للتحدث عن حياته المبكرة. لذلك، فبعد انتهاء الحرب، وأثناء عودتي إلى أمريكا، زرت انجلترا على أمل أن أتوصل لمعرفة شيء ما يتعلق بسيرته الذاتية قبل عام 1914، يمكن أن يلقي الضوء على فترة تكوينه ونشأته عندما كان القدر يُهيئه للعب دوره الهام. إلاّ أن الحرب قد شتتت أسرته وزملاءه الأوائل بحيث لم أستطع الحصول سوى على معلومات ضئيلة وهزيلة جداً عن طفولته وشبابه المبكر.
كانت مقاطعته غالوي، الواقعة على الساحل الغربي لايرلندا هي الموطن الأصلي لأسرة لورنس. ويمكن أن يكون هذا سببا ولو جزئيا لقوته الجسدية غير العادية وقدرته البدنية على التحمل، إذ أن سكان غالوي هم من بين أقوى السلالات شدة. ولكن دماء اسكتلندية وويلزية، وانجليزية، وإسبانية تجري في شرايينه أيضاً،. فقد كان من بين أسلافه وأجداده المشهورين السير روبرت لورنس، الذي رافق ريتشارد قلب الأسد إلى الأرض المقدسة، قبل أكثر من سبعمائة وثلاثين سنة وبرز في حصار عكا، تماماً كما فعل الشاب لورنس عندما رافق اللنبي إلى الأرض المقدسة وبرز في تحريرها النهائي. كما كان كل من الأخوين، السير هنري والسير جون لورنس، وهما من الرواد الأوائل للإمبراطورية البريطانية في الهند، من أجداده القريبين.
وكان والده، ثوماس لورنس، من أصحاب الأملاك في ايرلندا ورياضيا كبيرا. إلاّ أنه فقد معظم أملاكه خلال فترة جلادستون، عندما انخفضت أسعار الأراضي في ايرلنده إلى أدنى مستوى، فسافر بأسرته عبر البحر الايرلندي إلى ويلز. وولد ثوماس ادوارد لورنس في مقاطعة كارنافون، التي لا تبعد كثيراً عن الموطن المبكر للسيد لويد جورج(1) الذي كان يوماً ما من أصدقائه الحميمين والمعجبين به، والذي أبلغني ذات يوم، أنه يعتبر لورنس أيضاً واحدا من أروع الأشخاص في العصور الحديثة.
لقد أمضى خمس سنوات من طفولته في جزيرة قناة جيرسي. وعندما بلغ العاشرة من عمره هاجرت أسرته إلى شمال اسكتلندا، وبقيت هناك لمدة ثلاث سنوات. ومن ثم انتقلت إلى فرنسا، حيث سجل لورنس الابن في كلية الجزويت، مع أن جميع أفراد الأسرة ينتمون إلى الكنيسة الأرثوذوكسية الانجليزية. ومن هناك انتقلت العائلة إلى أكسفورد، وقد ترك ذلك المركز الثقافي الانجليزي، الذي أصبح موطنهم منذ ذلك الحين، أثره الذي لا يُمحى على لورانس. وهناك أطلق عليه أصدقاء صباه اسم نيد، وسجل بمدرسة أكسفورد العليا ودرس بإشراف معلم تحضيري تمهيداً لدخول الجامعة. ويروي أحد أصدقائه الحميمين أن لورنس على الرغم من أنه لم يكن نجماً رياضياً إلاّ أنه كانت لديه روح جريئة وكان مليئا بحب المغامرة.
وروى لي هذا الرفيق للورنس «أن نيد لورنس وصبيا آخر كانا يسبحان تحت طاحونة في جدول مائي يقع أسفل أكسفورد وهما يحملان المصابيح وغالباً ما كانا يشقان طريقهما بصعوبة وهما يمران من خلال المسارب المائية الضيقة، ويجتازان ذلك المجرى المائي تحت الأرض».
وتعتبر أكسفورد مركزاً كبيراً لركوب الزوارق. وأي جدول مائي يرتبط بنهر التايمز يمكن أن يعوم فيه أي مركب صغير أو هزيل. بيد أن الملاحة في نهر شيرويل كانت أصعب كثيرا، إلاّ أن الصبيان الذين يملكون روح التحدي مثل نيد لورنس برهنوا على أن ذلك غير صحيح. وهذا ما كان يفعله هو ورفيقه. فقد دربا قاربهما الصغير على اجتيازه حتى بانبري ومن ثم يمضيان مباشرة إلى جزء الجدول الذي كان غير قابل للملاحة.
وكان لورنس مغرماً بتسلق الأشجار والقفز فوق سطوح الأبنية، وهو الأمر الذي لم يكن أحد من أصدقائه يجرؤ عليه. وقد ابلغني أحد أشقائه «أنه في حادثة ما وقع وكسرت ساقه جرّاء ذلك». ويعزو أحد أقاربه صغر قامته إلى تلك الحادثة. حيث بدا أنه لم ينمُ منذ ذلك الحين.