أنت هنا

قراءة كتاب لورنس في بلاد العرب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
لورنس في بلاد العرب

لورنس في بلاد العرب

لم تكن الإنجازات المذهلة لثوماس ادوارد لورانس، ذلك الشاب خريج جامعة أكسفورد، معروفة للناس عند انتهاء الحرب العالمية الأولى.

تقييمك:
4.666665
Average: 4.7 (3 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
«كنا بعد تناول الإفطار نقوم بفحص الأرضية الموزاييك (الفسيفساء) لغرفة الطعام، وهي جزء من آثار رومانية أحضرها هؤلاء الرجال بدلاً من إتلافها وهم يبحثون عن الآثار الحثية المدفونة في الأرض. ولكن حينئذ جاء من يبلغنا بخبر مثير نحن في الأشغال. فأسرعنا لنستطلع الأمر فوجدنا كلا من العمال العرب والكرد متجمعين بشكل محكم حول حفرة كبيرة. وكان كبير العمال اليوناني يزيل التراب عن حجر أسود حجمه بضعة أقدام مكعبة، وفي الوقت الذي وصل فيه السيد وولي إلى جانبه عرف من يكون الوجه الموجود على الحجر. وبيد بارعة ممارسة بدأ السيد وولي بإزالة آخر طبقة من التراب من على الوجه الذي احتوى على كنز تحت الأرض. ولم يكن باستطاعة أي واحد أن يأمر هؤلاء القرويين ليعودوا إلى عملهم، إذ أن الثمار الطبيعية لهذا الاكتشاف تعود للجميع، ابتداء من الرجل الانجليزي إلى الصبي السقا الذي يجلب الماء والذي ترك حماره ليخوض في نهر الفرات لوحده بينما انضم إلى المجموعة المحبوسة أنفاسها وعيونها مثبتة على مطواة وولي الكبيرة وهي تقوم بعملها بطريقة رشيقة.
 
وانطلقت عاصفة أولى من التصفيق لتحيي الملامح الأولى لظهور شيء على الصخرة القاسية. فقد كانت يد، لا إنها زاوية من بناء! أسد! جمل! وانطلق عدة تخمينات حول ذلك، في حين كانت المطواة الكبيرة تقوم بعملها. وسرعان ما كشفت عينا وولي المدربة له أنه كان عبارة عن تمثال حيوان ضخم يقف بحالة سليمة، وكان يزيل التراب عن رأس التمثال. كما أن تظاهره بالبدء بالعمل في الناحية الأخرى من التمثال قوبل بثرثرة من الاحتجاج من قبل عماله الذين لم يكونوا متأكدين ماذا كان ذلك الشكل للتمثال. واعترفت ابتسامة وولي السريعة باستقبال وتلقي نكتته الصغيرة، ومن ثم عاد ثانية إلى البقعة غير المكتشفة من التمثال.
 
وسرعان ما بدا كل من رأس وصدر وقدمي التمثال تحت الضوء، وبدت معها الأفكار والآراء المختلفة بالظهور، من قائل إنه شكل بقرة أو حصان، أو خروف أو غير ذلك. وما زال الأمر كذلك إلى أن رجعت يد وولي إلى رأس التمثال الحيوان وببضع حركات سريعة أزال التراب الذي يغطي الزخرفة الكاملة ليظهر زوج من القرون ظلت حية جرّاء فن لا يموت لمدة أربعين قرناً، ووقف التمثال هناك مكشوفاً أمامنا، إنه تمثال رائع لأيل (نوع من الغزلان). وكان مثل هذا الاكتشاف جديراً بالاحتفال، وكان قانون الاحتفال غير مكتوب إلا أنه كان واضحا. فبالنسبة للمنقبين فقد أومأوا برؤوسهم موافقين على ما توصل إليه كبير العمال اليوناني من أن هذا اكتشاف رائع، وما إن أعطى الإشارة المنتظرة، حتى قام مائتا شاب ورجل تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة إلى الخامسة والستين بإفراغ جميع محتويات بنادقهم ومسدساتهم في الهواء.
 
وتساءلت بماذا فكر الألمان المتواجدين على ضفة الفرات عندما سمعوا أصوات الرصاص وهم عند جسرهم الذين يقومون ببنائه؛ وعرفت بعد بضعة أسابيع عندما كنت أعدو زيارة ثانية مع الرجل الانجليزي، بأن إطلاق النار على مكان ألماني كان يعني شيئا ما مختلفا. واليوم، أصبحوا يتصببون عرقاً بسبب هيجانهم الكثيف بعد اكتشاف تماثل الأيل الحثي من خلال عمالهم، وجلس العمال العرب وهم يضحكون ليدخنوا السجائر في ختام هذه الاحتفالات، في حين بدأ الصبي السقا في البحث بشراسة عن حماره، متبوعاً بنعوت مختلفة من أصدقائه العطشى، الذين كانوا يعرفون بأن النكهة التامة للسيجارة تأتي فقط من شربة ماء بارد.
 
وسرعان ما حل الظهر، وكان يوم خميس، يوم دفع الأجور. فيوم الجمعة هو يوم العطلة الأسبوعية عند المسلمين، وهؤلاء الانجليز كانوا متسامحين إلى أبعد حد في علاقاتهم مع عمالهم المسلمين فلم يكونوا يطلبون منهم العمل في يوم عطلتهم. وكان ذهابي بالسيارة إلى «عنتياب» قصيراً، لذلك فقد تأخرنا لنسلم الأجور للعمال، حيث كان تأكيد لورنس على أن ذلك ضروري.

الصفحات