لم تكن الإنجازات المذهلة لثوماس ادوارد لورانس، ذلك الشاب خريج جامعة أكسفورد، معروفة للناس عند انتهاء الحرب العالمية الأولى.
أنت هنا
قراءة كتاب لورنس في بلاد العرب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
ومنذ الحرب عمل الميجور مونتاغيو لورنس ضمن بعثة طبية في الصين على جبهة التيبت البعيدة جداً؛ كما أن والدتهم قد ذهبت إلى هذه الزاوية المعزولة الواقعة في آسيا الوسطى، بينما كان ابنها الأصغر يجوب متاحف العالم في بعثة سفر من جامعة أكسفورد لدراسة فن النحت في عهد انحطاط الفن الإغريقي.
وقبل عدة سنوات من الحرب ذهبت حملة من جامعة أكسفورد برئاسة صديق لورانس، هوغارت، وكان عالم آثار كبيرا، وبدأ القيام بحفريات في حوض الفرات، على أمل اكتشاف آثار للحثيين، وهم عرق قديم لا يعرف عنه سوى القليل. وبسبب معرفته الأساسية بلغتهم وتعاطفه وفهمه لعاداتهم وتقاليدهم، فقد وضع لورنس بمسؤولية إدارة مجموعات الحضر من الأكراد، والتركمان، والأرمن، والعرب. ونجحت هذه الحملة في نهاية الأمر في اكتشاف كرشيمس، وهي العاصمة القديمة للإمبراطورية الحثية، وهناك بين أنقاض وآثار تلك المدينة المنسية منذ زمن طويل، متع لورنس نفسه بدراسة النقوش الموجودة على الفخاريات وربط المراحل المختلفة للحضارة الحثية.
وبالفعل فقد اكتشف هو وزميله ليونارد وولي، مدير حملة التنقيب عن الآثار، الرابط المفقود بين حضارة البابليين وبداية الحضارة الإغريقية في جزر البحر الأبيض المتوسط، والتي تمتد إلى خمسة آلاف سنة مضت. ويحتوي متحف اشمولين بجامعة أكسفورد على العديد من المعروضات الأثرية «مقدمة من قبل ثوماس ادوارد لورنس» قبل أن يبلغ العشرين من عمره.
وصدف وأن زار مدير البعثات والحملات الأمريكية في الشرق الأدنى المعسكر الذي جرت فيه هذه الحفريات بشكل مفرد. وقدم لنا صورة حية عن زيارته وتبيانه للكيفية تلقّى بها لورنس تدريباً مكنه من اكتساب مثل هذه الخبرة المدهشة في معرفة قبائل الصحراء والإبقاء على صلة معها عندما انخرط في الحرب العظمى.
ويقول السيد لوثر فاول «إنه كان في عام 1913، خلال عطلة عيد الفصح في الكلية الأمريكية في عينتاب وتسنت لنا الفرصة للقيام برحلة مدتها ثلاثة أيام بعربة إلى عورفا، وهي أديسا القديمة. وبعد زيارة عورفا، زرنا حران التي تبعد بضعة أميال إلى الجنوب، حيث هاجر النبي إبراهيم من أور الكلدانية.
وكانت عودتنا من الرحلة إلى عينتاب عبر طريق بعيدة نحو الجنوب، مما أوصلنا إلى نهر الفرات عند طرابلس، حيث كان الألمان هناك ينشئون جسرا ضخما للسكة الحديد ليكون رابطاً أساسياً بين برلين وبغداد. وعلى الضفة الغربية للفرات وعلى بعد بضعة مئات من الياردات من الجسر كان يقع موقع كرشيمش، حيث وجدنا هناك دارسا بريطانيا هادئا، سرعان ما تحول تحت ظروف الحرب القاسية من الحفر بين الآثار والخرائب القديمة الواقعة بجانب نهر الفرات ليصبح شريفاً وقائداً لمجموعة كبيرة من البدو في حرب ناجحة لإزالة الاحتلال والظلم العثماني.
«وجاء السيد وولي، عالم الآثار المسؤول عن حفريات كرشيمش من عمليات الحفر وهو يرتدي ثياب عمله المكونة من قميص فانيلة رمادي اللون وبنطال غولف. وكان لورنس زميله الشاب، منتعشاً أيضا من أعماله، يخطو بشكل خفيف عبر أكوام التراب وهو ما ندعوه نحن الأمريكيين بلباس العمل، ويضع في وسط حزامه ندبة مزخرفة عربية لتدل على أنه رجل غير متزوج. بيد أنه اختفى عن الأنظار في لحظة، وعندما اجتمعنا من أجل تناول طعام العشاء، بدا لورنس الشاب الصغير في بدلة تنس لجامعة أكسفورد من الفانيلا البيضاء وعليها وشاح أحمر، إلاّ أنه كان لا يزال يرتدي حزامه العربي، واستهل حديثه بقصة مثيرة عن أشغال الحفريات؛ وعلاقاته مع الأكراد والعرب والتحدث عنهم؛ وعن رحلاته وحيداً بين قراهم بحثاً عن قطع سجاد وآثار نادرة، مما منحه الفرصة لإقامة علاقات وثيقة معهم كانت بالتالي أساساً لخدمته الكبيرة في وقت كانت فيه بلاده بحاجة لذلك.