أنت هنا

قراءة كتاب ضيوف ثقال الظل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ضيوف ثقال الظل

ضيوف ثقال الظل

كتاب " ضيوف ثقال الظل " ، تأليف جعفر العقيلي ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

ضيوفٌ ثِقالُ الظلّ

رغم النتائج، كان الأمرُ يتطلّب قراراً جريئاً كهذا، فما عدتُ أحتملُ الفوضى في أركان حياتي التي أسعى أن تكونَ دائماً في أفضل حالات ترتيبها.

كان لا بُدَّ أن أتخلّصَ من أولئك الكثيرين الذين عرفتُهم، وأطردهم من بين أوراقي التي يسكنونها رغماً عنّي منذ سنين؛ أكنُسُ ذاكرتي من بقايا أسمائهم، وملامحهم، وألقابهم، وأرقام هواتفهم، لأُعِيدَ تأثيثَها من جديد، كما أحبّ وأشتهي، بعد أنْ خلقَ وجودُهم في داخلي زحاماً لا يُطاق.

قبل أعوامٍ أربعة من الآن، لم تكن ثمّة مشكلة من هذا النوع في حياتي. فأصدقائي الذين لم يتجاوز عَدَدُهم أصابعَ اليدين مجتمعةً، كانوا من أبناء قريتي -كان لديّ أصدقاءٌ حقيقيّون!- وكُنّا نلتقي بعد الغروب دون مواعيد مُسبقة. وحين يغيبُ أحَدُهم، فَمِن اليسير الوصولُ إليه، إذْ لا تحتاجُ المسافةُ بين بيتي وبيتِ أبْعَدِهم عنّي من الزّمن سوى خمس دقائق، لذا لم أكُن مضطرّاً إلى حملِ أرقام هواتفهم، أو حفظها، أو تذكُّرِها، إن كان لديهم هواتف أصلاً.

بعد ذلك، وجدتُ نفسي في وسطٍ مختلف -بِحُكمِ العمل- ليس فيه من بساطةِ القريةِ شيءٌ. وسط مليء بعلاقات رديئة، ومجاملات احتَجْتُ كثيراً من الوقت -في بادئ الأمر- حتّى تفهَّمْتُها. فكان أبرزُ استحقاقاتِهِ عَلَيّ أنّني صرتُ أحملُ في جيبي دفتراً صغيراً، أُدَوِّنُ فيه الملاحظات الطارئة، ومن ضمنها أرقام هواتف الأشخاص الذين تعرَّفتُ إليهم في ظروف مختلفة، ولأسباب متعدّدة.

من هؤلاء من أصبح صديقاً لي في ما بعد، ومنهم من ارتبطتُ معه بعملٍ آنيٍّ أو دائم، ومنهم من أجبرني على تسجيل رقمه كي أُهاتِفَهُ لاحقاً، مع علْمهِ أنّني لن أفعلَ ذلك، وثمّة أرقامُ هواتفَ لآخرين لم أتّصل بهم البتّة، رغم الجهد الذي بذلتُهُ في الحصول عليها من غيرهم لِدَوَاعٍ لم أعُدْ أذكُرُها الآن.

لكنّ الدّفترَ امتلأ بالأسماء والأرقام والملاحظات في فترة قياسيّة، وبَدوتُ كما لو أنّني أشتغل في «العلاقات العامّة»، ما دعاني إلى التفكير في تجديده.

قرّرتُ تخصيصَ دفترٍ للملاحظات، وآخر لأرقام الهواتف، سرعانَ ما ضاقَ بدائرة معارفي التي كانت تتّسع كنارٍ في الهشيم، فاشتريتُ دفتراً ثالثاً. وتكرّرتْ هذه العملية لاحقاً، حتّى اكتشفتُ أنّني أقتني في جيوبي سبعةَ دفاتِرَ محشُوَّة بالحروف والأرقام، ما من أحدٍ رآها أو اطّلعَ عليها إلاّ واعتقدَ أنّني رجلٌ مُهمٌّ، مليءٌ بالمشاريع، وأنّ لي امبراطوريةً من الأصدقاء.

ولأنّ الدفاتِرَ أصبحت تعيقُ حركةَ يدي كلّما مدَدْتُها إلى إحدى جيوبي، فقد آثرتُ نقلَها مجتمعَةً إلى الدُّرج الأخير من طاولة مكتبي، أعودُ إليها بين الحين والآخر باحثاً عن رقم هاتف أحتاجُهُ من بينها. وقد استوجبَ ذلك قضاءَ وقتٍ طويلٍ في التنقيب الذي يزيد من صعوبتهِ تلك الأرقام التي لم أُسَجِّل إزاءَها سوى المقطع الأوّل من أسماء أصحابها، غافلاً عن كتابة أسماء عائلاتهم، فضلاً عن أرقامٍ كنتُ أعثُرُ مقابلها على رموزٍ وإشارات مختلفة، أغلبُ الظَّنِّ أنّني دوّنتُها بهذا الشّكل كيلا يتعرّف إليها أحدٌ غيري.

الصفحات