كتاب " ليس مجرد سرد ... أصل الحكاية في التراث العربي " ، تأليف محمد محمود البشتاوي ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
أنت هنا
قراءة كتاب ليس مجرد سرد ... أصل الحكاية في التراث العربي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ليس مجرد سرد ... أصل الحكاية في التراث العربي
تشكُّل الصورة النمطية
قيل في المثل العربي القديم: «أشأم من البسوس»، وإذا كان السياق العام ذهب إلى أن المقصود بذلك خالة جساس بن مرة الشيباني، فإنَّ رأياً آخر ذهب إلى أن هنالك «بسوساً» أخرى في التاريخ. وفي الحـالين تظلّ البسوس مصدر شؤم.
في هذا الصدد يقول الأزهري في كتابه «تهذيب اللغة»([4]): «وَفِي البسوس قولٌ آخَر رُوِي عَن ابْن عبّاس وَهُوَ أشبَه بالحقِّ. حدّثنا مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن المَخْزُومِي عَن سُفْيانَ بن عُيَينة عَن أبي سَعد الأعوَر، عَن عكرِمَة عَن ابْن عبّاس فِي قَول الله جلَّ وعزَّ: {الَّذِي ءاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} (الْأَعْرَاف: 175) الآيَة. قَالَ: هُوَ رجُلٌ أُعْطِيَ ثلاثَ دَعَوَاتٍ يُستجاب لَهُ فِيهَا، وَكَانَت لَهُ امرأةٌ يُقالُ لَهَا البَسُوس، وَكَانَ لَهُ مِنْهَا ولد، وَكَانَت لَهُ محِبَّة، فَقَالَت: اجعلْ لي مِنْهَا دَعْوَة وَاحِدَة قَالَ: فلكِ وَاحِدَة، فَمَاذَا تأمرين؟ قَالَت: ادْعُ اللَّهَ أَن يَجْعَلنِي أجمل امْرَأَة فِي بني إِسْرَائِيل، فَلَمَّا علمتْ أنَّهُ لَيْسَ فيهم مثلُها رَغِبَتْ عَنهُ، وأرادت شَيْئا آخَر، فَدَعَا اللَّهَ عَلَيْهَا أَن يَجْعَلَها كَلْبَة نبّاحة، فَذهب فِيهَا دعوتان، وَجَاء بَنُوها فَقَالُوا: لَيْسَ لنا على هَذَا قَرَار، قد صَارَت أُمُّنا كلبةً تُعَيِّرنا بهَا النَّاس، فادعُ الله أَن يردَّها إِلَى الْحَالة الَّتِي كَانَت عَلَيْهَا، فَدَعَا الله، فَعَادَت كَمَا كَانَت، فَذَهَبت الدّعوات الثَّلَاث فِي البَسُوس، وَبهَا يُضرَب المَثَلُ فِي الشؤم فَيُقَال: أشأَمُ من البَسوس».
وعن الأزهري أيضاً أن «من أمثال العرب السائرة هو أشأم من البسوس، وهي ناقة كانت تدر على البسيس([5]) بها. ولذلك سُميت بسوساً، أصابها رجل من العرب بسهم في ضرعها فقتلها، فهاجت الحرب بسببها بين حييّ بكرٍ وتغلب سنين كثيرة؛ فصارت البسوس مثلاً في الشؤم»([6])..
وفي كتاب «زهر الأكم في الأمثال والحكم» لـ «الحسـن اليوسي» أن «الإبسـاس عند الحلب أن يقال للناقة: بـس، بـس، وهو صويت للراعي يقول لها ذلك لـتدر للحالب، فيقال: أبس بالناقة يبس أبساسا فهو مبس»([7]). وفي «الصحاح» لإسماعيل بن حماد الجوهري أن «البسـبس: القفر. والترهات البسابس، هي الباطل»..
وبذلك تجتمع المعاني في تشكيل صورة نمطية للبسوس، إلى جانب أن البسوس زرقاء العينين، وكانت العرب تتطيَّرُ من الزرقاء، وتعمل على وَأْدِ المولودة التي تأتي بهذه الصفة، وما تزال إلى اليوم «الخرزة» و«العين» الزرقاء تستخدم لدى البعض كتمائم طاردة للشر([8]).