أنت هنا

قراءة كتاب ليس مجرد سرد ... أصل الحكاية في التراث العربي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ليس مجرد سرد ... أصل الحكاية في التراث العربي

ليس مجرد سرد ... أصل الحكاية في التراث العربي

كتاب " ليس مجرد سرد ... أصل الحكاية في التراث العربي  " ، تأليف محمد محمود البشتاوي ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9

الإخباريون ومصادر النقل

تطرق المؤرخ جواد علي إلى مسألة بالغة الأهمية تتعلق بمصادر الإخباريين العرب، موضحاً أن المؤرخين المسلمين أخذوا «تأريخ الفرس من موارد فارسية، أما تأريخ الرومان واليونان فقد أخذوه من موارد نصرانية سريانية في الغالب، ولكنهم أخذوه بقدر، ولم يتوسعوا في الطلب، لذلك كان تأريخ الرومان واليونان مختصراً جداً وضعيفاً بالقياس إلى ما دون عن تأريخ الفرس»([14]).

تأتي ملحوظة جواد علي المهمة في ظل إهمال الإخباريين العرب لتاريخ الملك أذينة العربي التدمري وحربهِ مع الملك سابور الأول الفارسي، وتحقيقهِ نصراً على خصمهِ، وينسحب هذا الأمر لاحقاً على ابنته الملكة زنوبيا المهمة في السرديات العربية القديمة، والتي لا تُذكر، وإنما يُشار إلى الزباء صاحبة الأبرش. وفي هذا الصدد يقول علي: «لم يشر الطبري ولا غيره من المؤرخين المسلمين إلى حروب أذينة مع سابور على أهميتها، وبلوغ ملك تدمر فيها العاصمة طيسفون. وهذا أمر يدعو إلى العجب حقاً، إذ كيف يهمل المؤرخون والإخباريون هذا الحدث الخطير؟ فلا بد أن يكون هنالك سبب. ورأيي أن سببه الموارد الأصيلة التي اعتمد عليها المؤرخون المسلمون والإخباريون وأخذوا منها، وهي موارد فارسية الأصل متعصبة للفرس، أو موارد عراقية ميّالة لهم».

ثم يتابع قائلاً: «لذلك أيضاً أدمج أكثر ما دون عن تأريخ الغساسنة وعرب الشام في الأوراق التي دُوِّنت عن تأريخ الحيرة وعرب العراق. وقد انتزعت من موارد فارسية/عراقية، ففيها تعصب للفرس وللعراق على الروم والرومان وبلاد الشام».

ويستطرد في موسوعته «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام»: «أظن أن الموارد الأولى التي نقل منها الإخباريون والمؤرخون كلامهم عن تاريخ الفرس لم ترقها الإشارة إلى انتصارات ملك كوّن مملكة في البادية بنفسه، على سابور صاحب إمبراطورية واسعة تتباهى بنفسها على الرومان، فأهملت الكلام عنها بدافع العاطفة والنزعات القومية. فلما ترجمت تلك الموارد إلى العربية أو نقل منها، لم يجد الإخباريون والمؤرخون شيئاً يقولونه عن انتصارات أذينة على سابور، وإلا ذكروه».

ويؤكد ذلك أيضاً محمد بيومي مهران قائلاً خلال تناولهِ لمصادر الإخباريين العرب: بل إننا نرى إطنابا في مدح الفرس لا يتفق وحقائق التاريخ، بل هو مديح لم يقل مثله مؤرخو الفرس أنفسهم، الأمر الذي نراه كثيرا من المؤرخين المسلمين، وبصورة واضحة، حين يتحدثون عن تاريخ اليهود، وربما كان السبب في ذلك أن مصادر المؤرخين الإسلاميين، وبخاصة في تاريخ مصر وسورية والعراق فيما قبل الإسلام، إنما هي مصادر فارسية ويهودية في الدرجة الأولى، وهي مصادر لا يمكن أن توصف بأقل من أنها متحيزة لأصحابها، وأن الإخباريين إنما كانوا، في أغلب الأحايين، يتساهلون في نقل أخبارهم عن عصور ما قبل الإسلام بدرجة لافتة للنظر، بل إن الواحد منهم إنما كان ينقل الأخبار عن اليهود أو الفرس دونما تعقيب أو تعليق، وكأنها حقائق ترقى فوق مظان الشبهات، لكن ما يحدث هو غير ذلك تماما حين يتعلق الأمر بالمصادر اليونانية والرومانية([15]).

وفي موضعٍ آخر يقول مهران: «من ثم فإن المتصفح لما كتبه كبار المؤرخين الإسلامين، كالطبري، والمسعودي، والبلاذري، والدينوري، وابن الأثير، وابن خلدون وغيرهم، ليعجب للدقة والتحري الصحيح الذي عالجوا به تاريخ الإسلام، في معظم الأحايين، بقدر ما يأسف على الإهمال والخلط، الذي صحب كتاباتهم عن عصور ما قبل الإسلام»([16]).

وفي تحليلهِ لهذا التوجه لدى الإخباريين يرى مهران أن التفسير التقليدي لإهمال التاريخ العربي القديم وعدم تدوينه، هو أن الإسلام قد اتجه إلى استئصال كل ما يمت إلى الوثنية في بلاد العرب بصلة، اعتماداً على الحديث الشريف: «الإسلام يهدم ما قبله»، ومن ثم فقد انصرف العلماء عن الدراسات المتصلة بالجاهلية، ما أدى آخر الأمر إلى ضياع كثير من أخبارها، وبالتالي نسيانها، وإلى ابتداء التاريخ عند المسلمين بعام الفيل. ثم يضيف: «وإني لأظن، وليس كل الظن إثماً، أن أصحاب هذا الرأي قد جانبهم الصواب إلى حد كبير، فالحديث الشريف إنما كان ردّاً على أسئلة بعض الصحابة، رضوان الله عليهم، عن ما ارتكبوه في جاهليتهم، من ما لا يتفق وشرائع الإسلام، أو بالأحرى كان ردّاً على عمرو بن العاص، حين اشترط قبل مبايعته سيدنا ومولانا رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، أن يغفر له، فقال الحبيب المصطفى، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ: «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله»([17]).

في ضوء ذلك، يرى توفيق برو أن «الرجوع إلى الآثار المكتشفة، على قلَّتِها، في التأريخ للعرب الجنوبيين([18]) أجدى من الاستناد إلى ما كتبه مؤرخو العرب المسلمون؛ لأن ما ذكره هؤلاء عن هذه الحقبة لا يعدو كونه مقدمة موجزة لتواريخهم المـفصلة عن العصر الإسلامي»([19]).

ويشير برو إلى أن «ما كتبوه عن عهد ما قبل الإسلام بأجمعه بعيدٌ عن الروح العلمية، لا بل يغلب عليه العنصر القصصي المنقول عن السماع، والمليء بالأساطير. وقد بلغ بُعْدُه عن الدقة أن أسماء الدول والملوك والحوادث التي أوردوها قد جاء فيها كثير من الخلط، فضلا عن التناقض والخلاف بين ما كتبه مؤرخ وآخر».

وفي وقتٍ تناقل فيه الإخباريون سيرة الزباء المُنتقمة، وإن اختلفوا في أصلها وفصلها، وحربها مع جذيمة الأبرش، مقدمين حكاية شيقة تكثر فيها المعارك والأمثال، فإنهم أهملوا في المقابل سيرة ملكة تدمر زنوبيا، والتي تمثل ملحمة تاريخية كانت بحاجة لمتابعة بحجمها.

الصفحات